أحلام وموضوعية!
يشعر بعض المشتغلين في مجالات إبداعية متنوعة، بعد تقدّمهم في العمر، بكثير من الخيبة والألم والكآبة لفشلهم في تحقيق ما حلموا به من شهرة ونجاح وإبداع، على الرغم من أن بعضهم كان يعتقد أنه مملوء بالحيوية والاندفاع في مجال ما، مثل التمثيل على خشبة المسرح، أو في الرسم والنحت، أو في الكتابة الأدبية بأحد أجناسها، أو غير ذلك. لكن مع الأسف لم يحققوا غير حضور في دائرة صغيرة، وأن ثمة ما لم يتحقق وقيد الانتظار، فيذهبون في جلد ذاتهم ربما، أو توجيه الملامة لمؤسسات ثقافية وفنية أو لعائلاتهم أو أصدقائهم وزملائهم. لكن المتأمل لحيوات هؤلاء يرى الأسباب في مسائل أخرى أيضاً، من أهمها الظروف الموضوعية لهذا الممثل أو الشاعر أو…، غير التي توافرت لزميل له حتى لو كانا يعيشان في حيٍّ واحد، فأحدهم ليست لديه مسؤولية مادية تجاه عائلته، فحتى لو توازيا بالموهبة والتحصيل الثقافي والعلمي ستساعد الظروف الموضوعية الأول أكثر من مساعدتها للثاني في تحقيق ما يطمح إليه من تقديم إبداع مميز، و(ربما) العكس، لكننا نعتقد أن النسبة المئوية أعلى في تحقيق الأول ومن يماثله في الظروف لما يطمحون إليه. وإن تكلّمنا عن جهة الشكل للممثلين من جهة ملامح وجههم وأجسامهم، فثمة ممثلون يتمتعون بمواصفات هائلة يحسدون عليها، وحظوتهم موهبة محدودة لكنهم يحققون حضوراً ومالاً وشهرة أضعاف ممن لا يمتلكون تلك المواصفات الجسدية رغم موهبتهم العالية، وتتضاعف المسألة هذه بين الممثلات. لكن علينا ألا ننسى دور تطوير الموهبة وصقلها إن توافرت لها ظروف موضوعية غير معوّقة، فهذه مسألة مهمة أيضاً، فضرورة الاشتغال على التميّز في الجانب الإبداعي الذي وجد المرء فيه، من أعقد وأصعب المسائل، فهي تحتاج إلى دأب دائم للمراجعة والتدقيق والتأمل والتفكير لاجتراح ما هو جديد. فمن يعزف على آلة العود مثلاً، ولا يكتفي بموهبته، والتزامه بالتدريبات، فيطّلع على مهارات العازفين ما آمكن له، ويكتسب فهماً في تحليل الموسيقا، ويعرف تفاصيل كثيرة عنها، سيساعده ذلك على التميّز وتحقيق ما حلم به، أكثر ممن اعتمد على موهبته وتدريبه فقط، ولذلك قبل أن يجلد المرء ذاته أو يضع اللوم على الظروف الموضوعية، رغم أهميتها الشديدة، عليه أن يتأملهما وينصف ذاته فيما حقق ليكمل مشواره بعين الرضا عليها.