بات الحديث عن ارتفاع الأسعار والتقلبات المستمرة لسعر الصرف وانعكاس ذلك على واقع معيشة المواطن لا قيمة له، ولم يعد يجدي نفعاً، والسبب أن معادلات الاقتصاد المطبقة اليوم تنتج تفاعلات سلبية، أولها السماح لقلة قليلة من كبار أصحاب النشاط التجاري التحكم في السوق وفرض قواعد خاصة بهم للعرض والطلب، فتحول الواقع الاقتصادي إلى مجرد لوح شطرنج يحركون حجارته حسب مصالحهم.
في المنطق الاقتصادي عندما يزداد العرض والطلب، فإن المنافسة تحتدم بين العارضين، وتالياً يكون أمام المستهلك فرصة لاختيار احتياجاته بما يتناسب مع مستوى دخله، أما عندما يكثر العارضون وتنعدم المنافسة في السعر، فهذا دليل وجود خلل اقتصادي ناتج عن منح امتيازات تجارية للبعض وحرمان آخرين منها.
لقد أسمعونا خلال السنوات الماضية كلاماً معسولاً عن محاربة الاحتكار، وشعارات عن تكريس مبدأ المنافسة الشريفة، ولكنهم نسوا أننا نعلم كيف سُمح للكبار أن يحتكروا وهم مختبئون وراء أسماء الصغار عبر تدوين أسمائهم على الشهادات الجمركية وتحميلهم كامل المسؤولية التجارية، والقضايا من هذا النوع لا تُعد ولا تُحصى.
هل فكر أحدكم اليوم أن يصبح تاجر فروج، أو رز، أو سكر، أو معلبات، أو سيارات.. بالطبع لا، فلكل سلعة من هذه السلع وغيرها تاجر، أو مستورد أو مُصنِّع، وليس مسموحاً لأحد التطفل، ومن يتجرأ على التطفل فإنه يضطر للعودة مع بضاعته إلى حيث أتى بها، فهذا أقل ما يمكن أن يواجهه، فمعادلة «احتكار الاقتصاد» باتت مفهومة اليوم، ولم تُعط استثناءات لأحد على حد قول من قال، وإن جميع السلع المسموح استيرادها وتصنيعها متاحة للجميع ومن دون تحفظ على أحد!
للأسف، لقد أصبحت أسواقنا تحالفاً من عدة شركات تسيطر على تأمين السلع والمنتجات، وتتحكم بأسعارها، وفي المقابل، إذا أردنا أن نحد من هذا الاحتكار الذي يرهق المواطنين، فبإمكان الحكومة أن تمارس الاحتكار القانوني عبر مؤسساتها من خلال تأمين السلع وبيعها بأسعار رخيصة، وفي هذه الحالة يمكن خلق نوع من الاستقرار في السوق.