لماذا لا نسلم منشآتنا الصناعية العامة للقطاع الخاص ونزيح عن كاهلنا عبء تحمل الخسائر المتتالية كل عام، ولماذا لا نعترف أننا غير قادرين على الإدارة ولا نمتلك أدنى مهاراتها؟
إن المتابع للشأن الصناعي العام، يدرك أنه في كل مرة تحاول إدارات مؤسساتنا الصناعية تجميل صورتها الاقتصادية وبث أرقام لا تعبر عن واقعها الحقيقي «أرقام وهمية» بل وتعترض على مصداقية أي معلومة مسربة من كواليسها حتى وإن كانت حقيقية وموثقة، وهذا الأمر ليس وليد اللحظة، بل متوارث ويشبه المرض الوراثي الذي ينتقل بين أفراد العائلة من الجد إلى الأحفاد حتى يصبحوا جدوداً… وهكذا!
لماذا لا نعترف بواقعنا الصناعي المؤلم؟ ولماذا لا نضع النقاط على الحروف، ونقول إن مؤسساتنا الصناعية بمختلف أشكالها تعاني واقعاً متدهوراً، وإن جميع الاستراتيجيات التي وُضعت منذ سنوات مضت تحت مسمى «إصلاح القطاع العام الصناعي» كانت حبراً على ورق وتوارثتها الإدارات الصناعية المتعاقبة من دون أن تنفذ بنداً واحداً من بنودها، ولكن للأسف استنزفت تلك الاستراتيجيات جهداً كبيراً في التصريح الإعلامي عنها، وملأت عشرات الصفحات في الصحف والمواقع الإخبارية الالكترونية، وفي النهاية بقينا أمام واقع صناعي يرثى لحاله، وعدد لا بأس به من المنشآت الصناعية التي تحولت عبر الزمن إلى مخابئ للحيوانات الشاردة، وملاجئ لها، بدلاً من أن توضع في مقدمة أولويات الحاجة إلى استثمارها والاستفادة مما تقدمه من مردود مالي لا بأس به.
ولو نظرنا إلى حجم الميزانيات التي تُرصد كل عام للمنشآت العاملة، لوجدنا أن جل المشاريع التي تُصرف عليها هي للاستبدال والتجديد، ولو كان ذلك حقيقياً لكنا أمام مؤسسات صناعية متقدمة ومتفوقة على مثيلاتها من القطاع الخاص التي أثبتت وجودها في السوق المحلي وتحقق إيرادات سنوية أكثر بكثير مما تحققه مؤسساتنا العاملة مجتمعة.
إن بقاء تلك المؤسسات على حالها يؤدي إلى مضاعفة الأعباء المالية التي تتحملها الموازنة العامة كل عام، والتي تصب في نهاية المطاف في بند الخسائر، فلماذا الاستمرار على هذه الحال، فإذا كنا غير قادرين على تطويرها وإثبات مكانتها في السوق، فالأفضل تسليمها لإدارات خاصة متمكنة في مهارات الإدارة والإنتاج والتسويق، بدلاً من إبقائها أشبه بإرث من الخلل الآخذ في التوسع مع تعدد الإدارات المتعاقبة عليها.