الفن ليس ما أقول ولكن كيف أقول.. السيناريست خلدون قتلان: حان الوقت لنتحمل مسؤولياتنا تجاه مجتمعنا

الحرية- حنان علي:

في زمن يسوده الأمل والتغيير، يبرز صوت الفنان تعبيراً عن معاناة وآمال أبناء بلده، داعياً لإعادة استكشاف الخبرات والأفكار حول التحديات والمهمة المنوطة بالفن لرسم ملامح المستقبل.. برؤية إبداعية، يشدد الفنان الحقّ على أهمية التمسك بالوطن في ظل الظروف الصعبة، ويؤكد على دور الثقافة في تعزيز الوحدة وإعادة بناء الهوية الوطنية. فما إمكانية الابتكار والتجدد بعد سنوات من القهر، وهل ثمة مبادرات ثقافية جادة في سبيل بناء غدٍ يحلم به الجميع؟

البقاء في الوطن
السيناريست خلدون قتلان، اختار البقاء في وطنه رغم التحديات. ومن خلال تجربته الشخصية ورؤيته العميقة نراه ناشطاً ملتزماً ببث روح التآلف والطمأنينة مكرساً الوعي إبان مرحلة مهمة من تاريخ سوريا.
دعونا نستكشف مع ضيف جريدة الحرية أفكاره حول مفهوم الخسارة، ودور الفن الحقيقي! كيف يمكن للثقافة أن تخلق جسراً نحو مستقبل أفضل؟.
*لطالما شجعت على البقاء في سوريا بالرغم من الظروف القاسية التي مرت عليها.. كيف ترى قرار الكثير من السوريين (فنانين أو غيرهم) بالبقاء في البلاد؟ وما الذي يجعلك تشعر بأن هذا الخيار هو الخيار الصحيح؟
بداية أحب أن أقدم التهنئة للشعب السوري العظيم بالخلاص من نظام الظلم والقمع والتوحش والحكم الفردي، وأتوجه بالشكر الجزيل إلى كل الأبطال الذين صنعوا هذا النصر ونترحم على الشهداء الذين بذلوا دماءهم سخية من أجل أن نعيش بحرية وأمن وسلام.
يقول المثل الشركسي (من يفقد وطنه يفقد كل شيء) وربما كانت هي حالة الخوف من فقد الأوطان ذلك الخوف الذي دفعني كغيري من أبناء البلاد لنتخذ قرار البقاء في سوريا غير آبهين بمستوى الحياة المتردي الذي نعيشه، فاليقين كان دائماً بأنها أيام عصيبة وستمضي ولا بد أن يسقط الطغاة، وهذا ما حدث وقد كان ذلك خياراً صحيحاً بالنسبة لي فلقد شهدت عن قرب وبالتفاصيل رحلة سقوط نظام حكم الفساد وتحولات المجتمع وصراعاته لتشكل تلك التجربة مخزوناً معرفياً كبيراً بالنسبة لي.

فكرة الخسارة
* كيف أثّرت فكرة الشعور بالخسارة على المجتمع السوري خلال السنوات الماضية؟ وهل تبدلت هذه الفكرة مع بزوغ شمس التغيير؟
لا شك أن فكرة الخسارة كانت ترافق أيامنا، فالدمار الذي تسبب به النظام في قمع الثورة كان كبيراً جداً وعلى كل المستويات، تلك الفكرة التي كانت تترسخ في أذهاننا لا سيما وأن الحالة الاقتصادية كانت في انحدار دائم حتى التهم خط الفقر معظم أبناء المجتمع، وفجاءة مع بزوغ شمس التحرير وبسقوط الأسد تنفس المجتمع كاملاً الصعداء وولد الأمل بغد أفضل.
* اقترحت مبادرة التعريف عن هوية التبرع الدم بغية تعزيز الوحدة الوطنية بين السوريين؟ ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لتوسيع هذه المبادرة؟
لا شك أن بنك الدم هو مفتاح سحري لتعزيز الوحدة الوطنية، فكرة أن يكون اسم المتبرع مع رقم الهاتف موجود على كيس الدم يخلق فرصة كبيرة ليتواصل كل من يحتاج إلى الدم مع المتبرع الذي منحه من دمه ويساعد ذلك على تعزيز مصطلح (أخوة الدم) القادر على إسقاط كل خطابات الكراهية والطائفية، وتنفيذ الفكرة بسيط جداً ويحتاج إلى توجيه من الحكومة ليصبح نافذاً، ومع إضاءة إعلامية على الفكرة سيكون موضع ترحيب من كل أطياف الشعب السوري المحب والذي ينبذ العنف بطبعه، ومن منبركم الكريم أتوجه إلى الحكومة الموقرة باتخاذ الإجراءات اللازمة لإطلاق حملة تبرع بالدم في كل المدن السورية تحت عنوان أخوة بالدم أو أي عنوان يقع الاختيار عليه وأجزم أن بنوك الدم في كل المحافظات ستشهد إقبالاً كبيراً فالمجتمع اليوم مع كل مبادرة تعيد له سلمه الأهلي وتساعد على ترسيخ الأمن والأمان.

نظرة سوريا الخالصة
* كيف يمكن للثقافة والفن أن يلعبا دوراً في إعادة بناء سوريا؟ وما هي الأنشطة الثقافية الي تعتقد أنها ستكون الأكثر تأثيرًا؟
إن النظر إلى الثقافة يجب أن ينطلق من نظرة سورية خالصة ولا تُغفل ارتباط سوريا بالعالم، فسوريا صاحبة أقدم أبجدية مكتوبة في التاريخ يحق لها أن تمارس دوراً ثقافياً ريادياً على مستوى العالم. وهذا الأمر يجب أن يستند إلى ضرورة الابتعاد عن الفكر المتطرف بكل أشكاله، والنظر إلى تراثنا السوري نظرة نقدية علمية منهجية في محاولة للاستفادة من أفضل ما في هذا التراث للبناء عليه.
ويمكن القول أن أكبر التحديات التي تواجهنا اليوم هي مسألة الهوية السورية التي دمرها النظام السابق بشكل كامل والتي يجب العمل عليها لتشكيل هوية الإنسان السوري ما بعد الحرب والتحرير وذلك بكل السبل المتاحة، ومما لا شك فيه أن الفنون بكل أشكالها تساهم بشكل كبير في رسم هذه الهوية، ورسالتي إلى كل العاملين في الشأن الثقافي والفني هي: حان الوقت لنتحمل مسؤولياتنا تجاه مجتمعنا فلا نقدم الأعمال التي تساعد في نكئ الجراح ونبتعد كل البعد عن أي مشروع فني يمكن أن يؤجج أي صراع ويعيدنا إلى حقبة زمنية يفترض أنها أصبحت جزءاً من الماضي، ولا أقول هنا أننا لسنا معنين بالماضي الذي يجب أن نستخلص منه العبرة، ولكن تبقى الفكرة أن الفن ليس ما أقول ولكن كيف أقول.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار