أول حالة وفاة بداء الكَلبْ في دير الزور تدقُ ناقوس الخطر.. وعدم كفاية اللقاحات أولى المشكلات!

دير الزور – عثمان الخلف:

أعادت حادثة وفاة طفل أصيب بداء الكَلبْ نتيجة عضه من قبل أحد الكلاب الشاردة للواجهة مخاطر تلك الكلاب، التي باتت تسرح وتمرح وسط التجمعات السكنيّة في المدن، ناهيك بالأرياف، وسجلت تزايداً في حالات العض والآثار التي تتركها على أجساد من تطولهم، ولاسيما الأطفال، في ظل شكاوى الأهالي في مختلف مناطق المحافظة من تعدياتها، ناهيك بما كشفته الحداثة من جهل لدى الأهالي بطرق التعامل صحياً أمام حالات كهذه وغياب التوعية من قبل مديرية الصحة، فيما مطالب افتتاح مراكز لمكافحة داء الكَلبْ تُغطي جغرافية ديرالزور، بما يوفر ذلك على ذوي المصابين عناء التنقل، وما يتكبدونه للوصول إلى مركز العلاج الوحيد المختص في مركز المحافظة مدينة دير الزور، لاتزال خارج دائرة التنفيذ، وورقيات دخلت دروج مكاتب وزارة الصحة ولم تخرج منها بقرار حل!

لقاحات علاج داء الكَلبْ غير كافية والوعي غائب

أول حالة
سجلت محافظة دير الزور حالة وفاة بداء الكلبْ منذ أيام للطفل ” عبدالعزيز كمال الحمّادة ” البالغ من العمر 9 سنوات، وفي تفاصيل الحادثة، أشار رئيس مركز مكافحة داء الكَلبْ والأمراض المشتركة محمد العلاوي في تصريح لـ” تشرين ” إلى أن الطفل المُتوفى كان أُسعف إلى المركز بتاريخ الحادي والعشرين من الشهر الجاري نتيجة مُصاعفات عضة كلب تعرض لها في مدينة صبيخان أثناء زيارته لأقارب له في المدينة المذكورة خلال أيام سابقة تجاوزت 18 يوماً.
الطفل عبدالعزيز من أبناء بلدة تشرين (الكشمة) والتي تبعد عن دير الزور قرابة 70 كم، جرى نقله مباشرة بعد وصوله إسعافياً إلى قسم العزل في مجمع المشافي بالمدينة بعد إعطائه اللقاح والمصل، حيث كانت أعراض المرض من رهاب الماء والهواء والصراخ بوجه أي شخص يقترب منه قد ظهرت عليه، إضافة لظهور الزبد على فمه، وأكد أنه جرى تجهيز سيارة إسعاف حينها لنقله إلى مشفى المُجتهد بدمشق بعد التنسيق بخصوص ذلك، غير أنه توفي فجر اليوم التالي، موضحاً أنها الحالة الأولى التي تُسجل على مستوى المحافظة منذ سنوات سابقة، ومامن حالات سابقة على صعيد هذا الداء القاتل سجلته ذاكرة الناس من قبل.

تحذير:
وأوضح العلاوي أن الطفل المُصاب وإثر تعرضه للعض وقتها، جرى إسعافه – حسب حديث والده – إلى  عيادة أحد الأطباء في مدينة صبيخان، والذي قام بدوره  بخياطة جرحه وتضميده، ولم يجر نقله فوراً إلى مركز مكافحة داء الكَلبْ، الأمر الذي تسبب بإصابته بالمرض ووفاته لاحقاً، وحذّر العلاوي الأطباء والمشافي الخاصة بضرورة عدم الاجتهاد قبالة حالات كهذه، فالواجب يقتضي منهم توجيه الأهل لنقل مصابهم إلى مركزنا فهو المعني بالعلاج فقط، وهو علاج مجاني، علماً أن أي مصاب بالعض من أي حيوان  لابد أن يتلقى لقاح الكَلب فوراً، لافتاً إلى أن مشافي وأطباء يقومون بإعطاء مصل الكزاز للحالات المذكورة، والمصل المذكور لا يُغني عن اللقاح المُخصص بإصابات كهذه، فلقاح الكَلبْ يُشكل المناعة الفاعلة للمصاب، بينما مصل الكزاز هو مناعة مُنفعلة محدودة الزمن، وثمة شروط لابد من تحققها لإعطائه، فالمؤكد أن أغلبية الأهالي أخذوه منذ الصغر خلال حملات التلقيح الوطنية.

مطالب بافتتاح مراكز علاج تُغطي المحافظة بلا تنفيذ

المركز يشكو
وشكا رئيس مركز مكافحة داء الكَلب من  عدم كفاية اللقاحات المخصصة بالنسبة لأعداد المراجعين، علماً أن خدماته تُغطي دير الزور والريف الجنوبي من محافظة الحسكة، كذلك المراجعون من محافظة الرقة، وبيّن أن المُخصص لمركزه هو 250 أمبولة من اللقاح فقط خلال كل ربع من العام.
وأكد ضرورة الإسراع بافتتاح مراكز علاج في مدينتي البوكمال والميادين، إضافةً لقرى وبلدات الريف الشمالي، للتوفير على الأهالي مالياً وجهداً بالتنقل، مُشيراً إلى أنه جرى توجيه كتب بهذا الخصوص لوزارة الصحة، وإلى الآن لم يتحقق هذا المطلب الضروري جداً لحياة الأهالي وصحتهم.

بالأرقام
وكشف رئيس مركز مكافحة داء الكَلب والأمراض المُشتركة عن تزايد في حالات إصابات عضات الكلاب الشاردة، بل وحتى المُرباة في المنازل خلال السنوات الأخيرة، حيث تم تسجيل 190 حالة في العام 2019، لترتفع إلى 290 في عام 2020، وفي العام الذي يليه 2021 كانت 584، وازدادت الحالات إلى 795 في العام 2022، وفي العام الماضي 2023 تم تسجيل 583 حالة، وخلال الأشهر الماضية من العام الجاري 2024 حتى تاريخه تم تسجيل 322 حالة عض.

أين التوعية؟

من جانبه مدير صحة دير الزور الدكتور مأمون حيزة، أكد أن المديرية تتابع عمليات التوعية بمخاطر وأسباب هذا
الداء عبر فرق التقصي بشكل دائم وإرشادهم لطرق الوقاية والعلاج لمنع تفاقم الإصابات ووصولها لما لا تُحمد عُقباه، وطالب حيزة الأهالي بضرورة الوعي والحذر، ولاسيما بالنسبة للأطفال، واللجوء فور وقوع الإصابة إلى مركز مكافحة داء الكَلبْ، فهو الجهة الوحيدة المعنية بتقديم العلاجات، منوهاً بأن اللقاحات والأمصال تُقدم بشكل مجاني من دون أي مقابل.

ماذا عن المكافحة ؟
مهمة مكافحة الكلاب الشاردة تقع على عاتق الدائرة المُختصة بهذا الشأن في مجالس المدن والبلدات، غير أنها تفتقد للعمالة المطلوبة وليس النقص فقط، وهو ما أشار إليه رئيس مجلس مدينة البوكمال جوبال الساير الذي أكد لـ” تشرين” أن الدائرة أصلاً غير مُفعلة، لكونها تفتقد للعاملين كحال أغلب الجهات العامة- حسب تعبيره- ناهيك  بعدم توفر الآليات للمتابعة ولا المعدات اللازمة لعملية مكافحتها، وهو الأمر الذي أكده رئيس مجلس مدينة الميادين ثائر العلي لجهة عدم تفعيل عمل الدائرة المُختصة وهي لنفس الأسباب، علماً أن كلتا المدينتين تشكوان كثرة الكلاب الشاردة في الشوارع والأزقة، فيما أوضح رئيس مجلس مدينة دير الزور المهندس جرير كاكا خان أن مجلس المدينة هو جهة داعمة، فلا توجد دائرة في المجلس بمعنى دائرة مختصة، بل هي لجنة تُشكل من البلدية ومديرية الصحة والزراعة، ونعمل وفق الإمكانيات المتوافرة بهذا الصدد.

منع وزاري
يُعرف عن رئيس مركز مكافحة داء الكَلب والأمراض المشتركة مواظبته الدائمة على نشر التوعية عبر صفحته الشخصية على الفيسبوك، وهذا الأمر معلوم بالنسبة لمتابعيه، ويكاد النشر يكون يومياً، سواء أكان ذلك متعلقاً بالإصابات، وبالأرقام، أو على صعيد التوعية بمخاطر العض ومُضاعفاته، والإخبار المستمر بضرورة مراجعة مركز العلاج الوحيد والمعني، وجميع متابعيه يتعرفون على أي تطورات تحدث على هذا الصعيد عبر صفحته، مع تحديده حتى أماكن الخطر لجهة تواجد الكلاب الشاردة الخطرة، ناهيك بما يقوم به من مُتابعة ميدانية في مركز العلاج للمصابين، ليتم اتخاذ إجراء يبدو مُستغرباً، إذ أكد رئيس مركز مكافحة داء الكَلب والأمراض المشتركة محمد العلاوي أنه جرى إحضاره إلى مديرية الصحة لكتابة تصريح خطي يُمنع بموجبه من النشر على صفحته الشخصيّة بخصوص الإصابات الناجمة عن عضات الكلاب وغيرها ضمن ما يراه هو من واجب يتحتم عليه بالتوعية، والمنع صادر عن رئيس دائرة الأمراض المشتركة في وزارة الصحة، علماً أن العلاوي تقدم بطلب إعفاء إلى إدارته المركزية والتي ردت بأن الأمر من اختصاص مديرية الصحة.

ختاماً
لاشك بوجود تداخل في المسؤوليات عن تلك الحادثة التي أدت لوفاة الطفل، والتي أضاءت بدورها على مشكلات أتينا على ذكرها خلال حديثنا، فالواضح هنا غياب الوعي لدى بعض الأهالي بمخاطر إصابات العض التي يتعرض لها أي شخص من أي حيوان، كذلك جهل الأطباء ممن يُقدمون على علاج حالات كهذه بعدم توجيه الأهالي نحو مراكز العلاج المُختصة، ناهيك بافتقاد دوائر المكافحة في مجالس المدن والبلدات لكوادر العمل والآليات لمتابعة عملها، وضرورة توفير اللقاحات بما يُغطي حاجة المحافظة، وافتتاح مراكز في المدن المذكورة بما يؤمن علاج الإصابات فيها وجوارها من الأرياف، ليبقى أمر الحلول رهن الجهات العليا في وزارة الصحة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار