دوافع غير مادية نحو مضمار عمل بالغ الخصوصية…محرومون من الأطفال يلوذون بالعمل في مراكز الأنشطة الطفولية 

اللاذقية- سراب علي: 

لم يكن بحثهما عن العمل في أحد مراكز الأنشطة الطفولية لمجرد العمل، رغم أنه ليس ضمن مجال دراستهما الجامعية، ولكن حبهما للأطفال وتعلقهما بهم، إضافة إلى عدم قدرتهما على الإنجاب بعد ١٠ سنوات من الزواج كان الدافع الأول لاتخاذ (أحمد و أريج) القرار بالعمل في أحد مراكز الأنشطة الطفولية لتعويض حرمانهما من الأطفال.

ألم وحسرة

إذ تؤكد أريج أن العمل مع الأطفال يأخذها إلى عالم آخر ويحرّك فيها مشاعر جميلة لم تشعر بها من قبل، وهذه المشاعر ممزوجة بالألم و الحسرة على حالها.

د.شروف:  التعويض هو نوع من آليات دفاعية للتغلب على الألم النفسي الذي يعيشونه نتيجة النقص

ويضيف أحمد: رؤية الأطفال يعطينا أملاً جديداً كل يوم، ورغم أن عملنا مع الأطفال لا يعوض حرماننا منهم وشعورنا بالنقص  لعدم الإنجاب، ولكن بطريقة أو بأخرى هو يخفف من ألمنا ونشعر فعلاً أنهم أطفالنا.

حالة أحمد وأريج ليست الحالة الوحيدة في المجتمع، إذ تؤكد جورجينا التي تبلغ من العمر ٥٩ عاماً أنها لم ترزق بأطفال ولكن عاشت أكثر من ٢٠ عاماً بينهم، حيث عملت في روضة للأطفال وكان لكل طفل مكاناً خاصاً في قلبها وعقلها، وتضيف : عملي بينهم ومعهم لم يشعرني يوماً بالنقص.

لا يتعايشون مع عقدة النقص

إن الزواج وعدم الإنجاب موضوع شائك قبل أن يكون وصمة اجتماعية، وهو شعور بالنقص يخلق عند الإنسان، كما توضح الأستاذ المساعد في قسم الإرشاد النفسي في كلية التربية بجامعة تشرين الدكتورة أنساب شروف في حديثها ل(تشرين)، وتضيف: في مدرسة التحليل النفسي تكلم “أدلر” مطولاً عن نظرية (عقدة النقص) حيث تقول نظريته إن أي شخص يولد يكون لديه شعور بالنقص منذ ولادته، وذلك نتيجة حاجة الطفل لمن يرعاه ويهتم به، وفيما بعد كل إنسان إما أن يطور عقدة النقص نتيجة الظروف التي يتعرض لها أو المشكلات التي تواجهه في التربية، أو يحولها إلى إبداع بمجال معين، وإذا أسقطنا نظرية ( أدلر) على الشخص الذي لديه عدم قدرة على الإنجاب فشعور النقص الفطري الذي لديه يتطور لما يسمى عقدة نقص وهو لديه إحساس أنه أقل من الآخرين، وطبعاً ما يعزز هذا الشيء نظرة المجتمع والعوامل الاجتماعية المحيطة به، حيث كل شخص يبحث لتعويض هذا الشعور لأنه من الصعب على الإنسان أن يتعايش مع شعور النقص، فإما يحوله إلى عقدة نقص بحيث يحصل على تعاطف الآخرين، أو الطريق الثاني هو محاولة التعويض، والتعويض هو نوع من آليات دفاعية تكون عند كل شخص تختلف من شخص لآخر

وبالعموم لا توجد آليات دفاعية خاطئة أو صحيحة.

تخفيف الألم النفسي

وأشارت شروف إلى أن الطريقة التي نتغلب فيها  على الألم النفسي الذي نعيشه نتيجة النقص يختلف من شخص لآخر، فلكل واحد أسلوبه ليخفف الألم، فالبعض يختار أسلوب الهروب والتعامل مع الموضوع بسخرية، وهناك من يتجه إلى موضوع التعويض والتخفيف من شعور العجز وهو أن يؤدي مهمة معينة بالتطوع بأي جمعية خاصة بالأطفال أو العمل برياض الأطفال، وبما أنها آلية دفاعية يستخدمها للتخفيف من الألم النفسي بالتأكيد هو يخفف الألم.

ولفتت الأستاذة الجامعية إلى أن الأشخاص الذين استمروا بالعمل برياض الأطفال واحتكوا بهم نتيجة عدم إنجابهم للهروب من عدم الإنجاب فحكماً هذه الطريقة تخفف الألم النفسي لهذا يستمرون بها.

وأكدت شروف أنه لا يوجد أسلوب صح أو أسلوب خطأ إلا إذا تم الانحراف وكان لدينا تطرف بموضوع التعويض وهذه الحالات لانراها إلا عند المضطربين نفسياً،

لكن عموماً عند معظم الأشخاص كل شخص قادر على إيجاد الوسيلة الدفاعية  التي تخفف من شعوره بالنقص نتيجة هذه المشكلة الموجودة لديه.

تفريغ لطاقتها السلبية

بدورها، الباحثة في القضايا التربوية والاجتماعية الدكتورة سلوى شعبان أوضحت في حديثها ل(تشرين) أنه قد تختلف الآراء والنظرة المجتمعية ما بين أم أنجبت وأم لم تنجب، وما بين أم تهتم وتربي وتتعب وتجاهد لتربية وبناء شخصية الطفل، وأم أخرى لاعلاقة لها بالتربية والتنشئة والتعامل ضمن عالم الطفل، لكن هناك نساء غير قادرات على الإنجاب لأسباب متنوعة ومختلفة ومعظمهن يتجهن لخوض تجربة الأمومة بأساليب شتى وقد تكون غير متزوجة وبلغت من العمر حيزاً كبيراً جعلها تتنازل عن  فكرة الزواج لكنها بمضمون ذاتها لم تتنازل عن تجربة وعاطفة الأمومة الحقة.

د. شعبان : ليست كل من مارست هذا العمل تستطيع تحمله أو قد تكون على قدر المسؤولية به

وأضافت : هناك من يعملن في رياض الأطفال كمعلمات ومشرفات أو ضمن نواد ومراكز تهتم بالطفل وتعنى بشخصيته وتوفر له ما يحتاج وقد نرى الكثير من المشاريع التي انتشرت كمربيات ومهتمات بالطفل في حال غياب الأم والأهل وانشغالهم لفترات متقطعة كبديل وداعم عاطفي ونفسي للطفل طبعاً بتوافر شروط السلامة الصحية والتربوية

لهذا العمل، وفي كل الحالات هناك حالة عاطفية ونفسية لدى الطرفين، لدى الطفل الذي وجد من يرعاه ويلعب معه ويؤمن نظافته وطعامه ومتطلباته نيابة عن الأم. ولدى السيدة التي تقوم بدور الأم بكافة الأعمال في غيابها، والتقرب من هذا الطفل والاندماج بعالمه والدخول بتعويض الفقدان الجسدي والنفسي لدى هذه السيدة التي تتوق لهذه التجربة والمتعطشة لحيثيات متعتها ولطافتها، وتفريغ ما لديها من طاقة سلبية وشحنات يُحملها المجتمع لها بالانتقاد والاتهامات والعتاب والسؤال لماذا لم تنجب، ولماذا لم تتزوج وتصبح أماً؟

وتبين شعبان أنه بالرغم من التعب والمشقة ببعض اللحظات لكنها الحاجة المفقودة والتي تعوض نقص حنانها وترمم عاطفتها المهدورة والتي تعيد لشخصيتها التوازن والاستقرار النفسي والهدوء والتنظيم والمرونة بالتعامل واللباقة في حسن التصرف والصبر والتحمل فعالم الطفل عالم غني بالحب والبراءة والتجربة المميزة.

إيجابي سلبي

ولو نظرنا لهذه الحالة من الجانب الإيجابي كما تشير شعبان  لوجدناها حالة مفيدة للمجتمع وداعمة للأم التي أنجبت وتساعدها في إتمام مهمتها الكبيرة كما أنها تعويض نفسي فيزيولوجي عاطفي لمن تقوم به ولو بشكل جزئي منقوص.

نحتاج الكوادر المؤهلة والمدربة والمتعلمة لتكون المحرك الأقوى والمعلم الأقدر

أما من الجانب السلبي فترى شعبان أن هناك الكثير مما قد نختلف عليه ونوجه الانتقاد له لتلك السيدات اللواتي يقمن بذلك ففي حال تأثيرهن بسلوكيات الطفل وتصرفاته وتعليمه بعض الكلمات والأفعال التي تتعارض مع تربية الأمهات في البيت وتصل لتشتت الطفل ما بين أمه ووالديه وبين هذه المربية، أو حالات الأنانية لديهن إذ تصل درجة الأنانية لدى بعضهن لربما أذية الطفل أو الغضب بوجهه أو الصراخ به وخاصة لحظة رجوعه لمنزل عائلته، أي تشعر بأنه تخلى عنها وأفقدها حالة الأمومة المؤقتة والبديلة مما يجعل وضعه النفسي بحالة سيئة جراء ذلك.

إمكانيات وشروط

ولفتت شعبان إلى أنه ليست كل من مارست هذا العمل تستطيع تحمله أو قد تكون على قدر المسؤولية به من نظافة وحرص وتحمل وقوة ومرونة ومعرفة، أما فكرة تواجد رجال ضمن نفس إطار الحالة كمربي فتكاد تكون مرفوضة إذا كان هذا الرجل غير الأب الذي أنجب ذلك الطفل، وذلك لطبيعة الرجل وعدم تمكنه من التحمل لبكاء طفل ومتطلباته وصراخه وما يحتاج، لكننا من وجهة علم النفس والصحة النفسية نطالب دوماً بأن نكون مستعدين وقادرين على كيفية التعامل مع عالم الطفولة لما له من حساسية وإمكانات وشروط ذاتية لمن يرعى الطفل، فالتعامل معه ليس للتسلية وقضاء الوقت واللعب وتعويض ما ينقص لدى الأم البديلة، فالأمومة السامة تدمر الطفل وتقضي على شخصيته وتسلبه المقدرة على التواصل الاجتماعي.

وأضافت شعبان: نحن نحتاج القدرة الكافية لبناء قاعدة متينة تكون الأساس لطفولة سليمة للانطلاقة والاستمرارية، كما نحتاج الكوادر المؤهلة والمدربة والمتعلمة لتكون المحرك الأقوى والمعلم الأقدر والأم الراعية واليد الحانية على هؤلاء الأطفال.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار