المعرض السنوي… وقراءة في تجارب من المشهد التشكيلي المحلي

دمشق- لبنى شاكر:
التنوّع والتعددية، سِمتان تجعلان المعرض السنوي المُفتتح مُؤخراً في المتحف الوطني في دمشق، الفعاليّة الأبرز ضمن النسخة السادسة لأيام الفن التشكيلي السوري، فعدا عن أنه يضمّ أكثر من مئة عملٍ فنيٍّ بين “تصوير ضوئي، نحت، خزف، خط عربي، مشاريع تجريبية”، يُمكن عده أيضاً مُحصّلةً لِما أنتجته مجموعات تشكيليّة محليّة مُتباينة الاهتمامات والرؤى، من بينها الرواد، وأسماء كبيرة اعتزلت المُشاركات منذ حوالي عشرين عاماً، وآخرون فضّلوا الانكفاء في السنوات الأخيرة، إضافةً إلى أسماء شابة، لفتت أعمالها أنظار لجنة المعرض، لِيكتمل المشهد مع فنانين يُوصفون بالأبرز حضوراً ونِتاجاً في الساحة الثقافيّة، ولاسيما في ميدان التصوير الضوئي.
في عوالم الطبيعة المحلية ببيئاتها المختلفة، أثارت لوحة الفنان عبد الله أبو عسلي، من القياس الكبير، انتباه المُتفرجين، وفي العادة، يبدأ الفنان موضوعاته عن الطبيعة المحلية البكر منطلقاً من وجهة نظر خاصة، يبتعد من خلالها عن كل زيادة تتعلق باليد البشرية حتى لو كانت شجرة زرعها الإنسان، لأنها بوجودها ومكانها صارت تحمل شيئاً منه، وهو كما يقول دائماً، يبحث عن الطبيعة بشكلها الأولي التلقائي كما أوجدها الخالق، ليحصر اهتمامه بجزء معين منها ثم يقرّب تفاصيله ويوضحها بعيداً عن المساحة الكبيرة كالأفق والسماء والبحر، وهو المفهوم الذي يتبادر للأذهان كلما كانت الطبيعة موضوعاً فنياً، وفي معظم أعماله يلتف الضوء حول المكان أو العكس، وِفق حوارية مدروسة ترافقها إضافات خاصة، ومع إن الطبيعة حولنا تعرضت للتشويه والأذية إلّا أن ذلك لم يصل إلى لوحاته التي ظلّت المشاهد فيها “أنيقة” إن صح التعبير.
في لوحة عمار الشوا، استحضارٌ لما قدمه في معرضه السابق “رأيت”، وفيه تنفتح الرؤية كما يُترجمها على ما هو أبعد من الموجود أو المُدرك- وفي سياقه- توليفةً فنيّة، يطغى عليها الخاص المُتخيّل مقارنة بما هو قائم بطبيعته، لتغدو الرؤية سواء كانت إبصاراً أو بصيرة، شخصيةً بالمطلق، و في أعماله/ لوحته عن الشجر والنبات، يختبر التشكيلي قدرتنا على الانتباه وملاحظة الفرق بين دقيقة وأخرى، فلا شيء يبقى على حاله، كل ما في الطبيعة يختلف مع الضوء المنسكب عليه، الشجرة تحت المطر في يوم شتوي، ليست نفسها بعد دقائق، الرطوبة لا تشبه البلل؛ رصدٌ ينسحب أيضاً على تتبع الكائنات في نموها ومشاعرها وتصرفاتها، في كل ما أهملناه أو اعتدناه أو لم نلحظه أصلاً تحت الضوء. ولأنه يُؤمن بمقولةٍ للمتصوف الكبير محي الدين بن عربي ترفض تصنيف الخلق بين رفيع ووضيع، فالكل شريكٌ في الصورة التي يبدو عليها الكون، ولكل عنصرٍ مهما بدا صغيراً أو ضعيفاً دوره الذي لا يمكن أن يقوم به غيره.
بعيداً عن الطبيعة، واستكمالاً لطريقته المعروفة، يستوقف التشكيلي بشير بشير جمهوره أمام عبارات غير مقروءة، أُحجيات كلاميّة تشبه الرموز المشفرّة على جدران الكهوف والمعابد، ولاسيما حين تمتزج مع أشكال هندسية ونباتية، بحيث يبدو البحث عن تفسير لها أمراً مغرياً، وإن كان أجمل اكتشاف للوحة هي القدرة على محاورتها. تتسم تجربة بشير الحداثوية بميلها أحياناً تجاه الحالة الإعلانية والتكوين الهندسي، وفي عدد منها قد يطغى الديكور والعامل البنائي الشرقي أو الخط العربي أو الحالة التجريدية، وهي تركز على سطح واحد في اللوحة مع مجموعة حركات، يمكن عدّها ساحة للتجديد واللعب على البصريات، لعله سببٌ آخر يدفع المتفرج للوقوف مطولاً أمام أعماله المملوءة بتفاصيل ومنمنمات كثيرة، والمشغولة بتقنيات مختلفة.
يذهب بشير إلى إن اللوحة مساحة للتجريب الحر، خطوط وألوان لا نهاية لها، لكن الحس الغرافيكي العالي هو أكثر ما يميز أعماله، لكونه لا يكتفي بالاتكاء عليه ليقدم لوحة تصح تسميتها بالمعاصرة، بل يتخذه أيضاً واجهة يمرر عبرها مفردات فنية مختلفة، نشعر معها بحالتي هدم وبناء لا تنفصلان عن بعضهما، عبر تشكيلة لونية غنية.

أمّا مشاركة الفنان معتز العمري، ففيها استدعاءٌ لمرحلتين من تجربته، اشتغل فيهما تباعاً على الغرافيك والشاشة الحريرية، كانت بداياته في الحفر على الخشب، ثم طوّر أسلوبه مستفيداً من تعدد أشكاله كالمعدن والحجر، لاحقاً قدم الشاشة الحريرية فاستفاد أيضاً من تأثيراتها مع الأكريليك، وبدأ العمل على التقنيتين معاً، محاولاً تطويعهما لتلبية مقولاته التي تعود إلى الحضارات القديمة، آثارها وحروبها وطريقة عيشها، مع سعيه لإظهار مآلاتها في الزمن الحاضر، وهو ما بدا واضحاً منذ معرضه الأول عام 2017، وفيه قدّم نماذج لآلهة نصفها من البشر أو الحيوان، كما رصد اكتشافات زمن الحجر والنار، ورأينا في لوحاته شخوصاً تحمل الفؤوس، تجابه الخطر، تجيّر ما حولها، تتحمل وتصارع في سبيل البقاء، ربما كنا اليوم نعيش الهواجس نفسها، وإن اختلفت الظروف عامة.

وعلى عادته، يُطلق العمري العنان للون قبل أن يكون موضوعه واضحاً، يستخدمه لتبيين طبائع البشر، فيبتعد عن البهجة باتجاه السكون، مع مدلولات حسية من دون أن يعير اهتماماً لمنطق أو افتراض، حتى تختلف إشارات اللون لديه عن المُتداول.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
وزير الإعلام: شاشة التلفزيون العربي السوري لاتزال أنموذجاً إعلامياً يحترم عقل المشاهد ويعلي قيمه مجلس الشعب في ذكرى ميسلون .. سورية استطاعت تحقيق انتصارات عظيمة في وجه الحروب والحصارات المتعددة الأشكال سورية تدين اتهام الاحتلال لـ«أونروا» بالإرهاب وتؤكد أنه يأتي ضمن محاولاته لإنهاء دورها وافق على تأمين 5 آلاف طن من بذار البطاطا.. مجلس الوزراء يعتمد الإطار الوطني الناظم لتبسيط إجراءات الخدمات العامة 1092طالباً بالثانوية العامة استفادوا من طلبات الاعتراض على نتائجهم قيمتها ١٥٠ مليون ليرة.. أين ذهبت مولدة كهرباء بلدة «كفربهم».. ولماذا وضعت طي الكتمان رغم تحويل ملفها إلى الرقابة الداخلية؟ الديمقراطيون الأميركيون يسابقون الزمن لتجنب الفوضى.. الطريق لايزال وعراً وهاريس أفضل الحلول المُرّة.. كل السيناريوهات واردة ودعم «إسرائيل» الثابت الوحيد هل هي مصادفة أم أعمال مخطط لها بدقة «عائلة سيمبسون».. توقع مثير للجدل بشأن مستقبل هاريس تطوير روبوتات لإيصال الأدوية عبر التسلل إلى دفاعات الجسم المكتبة الأهلية في قرية الجروية.. منارة ثقافية في ريف طرطوس بمبادرة أهلية