مسرحُ «خيال الظلّ» في حلب.. في عهدة 16 شاباً وشابةً

تشرين- رحاب الإبراهيم :
لا تهدأ مدينة حلب عاصمة الثقافة الإسلامية وأمّ الفنون والطرب، رغم ضغط الواقع الاقتصادي والمعيشي، في محاولة حثيثة لابتداع سبل فاعلة لصون تراثها المادي واللامادي، والحفاظ عليه بكل الطرق الممكنة، ولعل خيال الظل المدرج على لائحة منظمة اليونسكو للتراث الإنساني العالمي، واحد من قائمة طويلة من فنون التراث اللامادي الذي تسعى إلى حمايته وإعادة نشر مسرحه بين جيل الشباب والأطفال في ظل امتلاكه نكهة خاصة تجعله مقبولاً ومحبباً لدى كل الشرائح الاجتماعية.
ستة عشر شاباً وشابة أوكلت إليهم مسؤولية الحفاظ على خيال الظل وإعادة مسرحه إلى الواجهة بعد اختيارهم من قبل لجنة مختصة بدعم من الأمانة السورية للتنمية التي نظمت ورشة عمل سادها العمل الجاد والتعاون والمحبة، وخاصة أن القائمين على تنظيم هذه الورشة المهمة والمتدربين يتشاركون الهدف ذاته، ويطمحون إلى إعادة إحياء خيال الظل وحمايته ونشره بطرق جديدة تجذب الشباب والأطفال، واللافت انضمام ذوي الاحتياجات الخاصة إلى هذا المشروع الجاد، إذ يتولى الشباب المختارون مهمة صون هذا التراث وتدريبهم على فنون خيال الظل ومشاركتهم في حمايته وصونه أيضاً.
دعم كبير
ومن الشباب الذين يقع على عاتقهم نشر فن خيال الظل في مدينة حلب الزميل الصحفي حسين النايف الذي تحدث بمحبة وشغف عن أهمية الحفاظ على هذا الفن، الذي يعد جزءاً من تراث حلب الغنية بثقافتها وفنونها، مشيراً إلى أنه يشارك في هذه المهمة عن فئة التعليق الصوتي والتمثيل وأفلام الكرتون، فمن المعروف أن من يتولى تأدية أعمال خيال الظل يفترض أن يمتلك خامة صوتية جيدة ومقدرة على انتقاء الكلمات وسرد الحكايات، لافتاً إلى أن اختيار الشباب المكلفين بمهمة الحفاظ على هذا الفن تم من قبل لجنة مختصة من كبار الأدباء والفنانين في مدينة حلب.
وأشار النايف إلى أن ورشة العمل لم تكتف بإعطاء المتدربين الخبرة المطلوبة في تجهيز مسرح خيال الظل وإدارته، إذ قدمت الدعم الفني والمادي المطلوب عبر تأمين مستلزمات العمل من الشخصيات إلى تجهيزات المسرح، فاليوم شراء هذه الأدوات بنوعية جيدة يكلف مبالغ كبيرة، لذا أمّنت بشكل كامل بغية المساهمة في نشر هذا الفن بصورة أسرع وأوسع، لافتاً إلى أنه سيعمل مع أعضاء الفريق على اتساع نطاق انتشار خيال الظل في الأماكن الثقافية والمقاهي والخيم الرمضانية خلال الفترة القادمة كجزء من التراث الحلبي، وهذا يتطلب تعاون جميع الجهات المعنية، مبيناً أهمية نشر هذا الفن بين الأطفال وإعطائهم حيزاً مهماً، وخاصة أنهم يجدونه فناً جاذباً وممتعاً، إذ كان هناك تخوف من عدم قبولهم له في ظل تفضيل الشباب التكنولوجيا، وما تقدمه لهم من خيارات عدة، لكن تبين العكس تماماً.
نواة للإحياء
الشابة آية حموي عبرت من جهتها عن محبتها وفخرها لمنحها فرصة حماية ونشر هذا الفن المهم الذي كانت معجبة به منذ طفولتها، إذ تمثل نشاطات الفريق المكلف بهذه المهمة والمدونة أسماؤهم لدى منظمة اليونسكو حالياً نواة لإعادة إحياء مسرح خيال الظل.
ولفتت حموي إلى نقطة مهمة جداً تتمثل بمشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في العرض المسرحي لخيال الظل الذي سيقام في اليوم العالمي للإعاقة، للتأكيد على قدرة ذوي الهمم في التأثير الفاعل في المجتمع وتغيير النظرة السلبية عنهم أنهم أشخاص مهمشون وعالة على المجتمع، إذ بإمكانهم المشاركة أيضاً في نشر فن خيال الظل عند النظر إلى امتلاكهم مهارات وقدرات قد لا يملكها الأشخاص الأصحاء.
قدرة على الإبداع
ولا يختلف حماس المهندس محمد عساف عن زميليه، إذ يبين أنه يسعى بكل همته لنشر هذا الفن الذي يحبه لكونه يلامس الروح، ويدفعه من خلال شخصياته المتعددة إلى الإبداع والعطاء، مبيناً أهمية مسرح خيال الظل وكمية الإبداع الذي يتضمنه لكونه يشمل فنوناً مختلفة، تبرز قدرة الشخص على الإبداع والابتكار من خلال سرد حكايات مسلية وذات هدف ومعنى.
بدورها تؤكد بتول شيخ العشرة أن نشر خيال الظل بطرق جديدة جاذبة ينطوي على رسالة مهمة تعكس بنية المجتمع وتراثه الذي يجب علينا كشباب العمل على صونه وحمايته من الاندثار بكل الطرق الممكنة كجزء من الهوية السورية، مبينة استعدادها مع زملائها المكلفين بهذه المهمة للعمل بتفان لنشره، وخاصة أن الجميع متحمس ومحب لهذا الفن التراثي الأصيل والممتع.
ومن الجدير ذكره أن مشروع نشر مسرح خيال الظل وإعادة إحياء تراثه اللامادي المدعوم من الأمانة السورية للتنمية لا يقتصر على مدينة حلب فقط، إذ أقيمت ورشات عدة للهدف ذاته في عدد من المحافظات، أولاها كانت في مدينة السويداء ثم مدينة حلب وحالياً تنظم الورشة في محافظة طرطوس، إذ يخرج كل عام فريق يدرب مدة شهرين بغية تمكينه من الإحاطة بفن خيال الظل والحصول على خبرة كافية طول عام للوقوف على مسرحه والتعامل مع فنونه بطريقة ممتعة وهادفة، تجذب الجمهور وتدفعه إلى حضور كل عرض يعلن عنه لمسرح خيال الظل.