الثقافة عندما «تُجاكر» وتمدُّ لسانها ساخرةً في وجه الحرب!!
تشرين – حنان علي:
في عالم طافحٍ بالظلم والقهر مواطنون يجدون أنفسهم محاصرين في دوامة الحروب والصراعات تحت نير القمع والاضطهاد، ومع ذلك، مازالوا يجدون في الثقافة سلاحاً قوياً للتصدي لأعدائهم ومظاهر الظلم المفروضة عليهم.
قد يتساءل بعض العموم، أليس من الترف المبالغ فيه مواجهةُ الحرب بالثقافة؟ لم لا ؟ فالثقافة على مدار الأزمنة أدت دوراً حاسماً في مواجهة الحروب والظلم، خاصة أنه منوط بها نشر الوعي وتحقيق التغيير والعدالة.. إذ لطالما استعانت الشعوب بالفن والأدب والموسيقا والسينما، لتسليط الضوء على معاناتها، فالكلمات والألحان والصور تتحدث بلغة عالمية تتخطى الحدود الجغرافية، وتتوغل في قلوب الناس، مساهمة في تعزيز الوحدة والتضامن ودعم قضية الشعوب المظلومة والتوعية بحقوقها وقيمها الأخلاقية، عبر وسائل قوية وفعالة للتعبير عن الآلام والمعاناة والأمل.. قادها العديد من الكتاب حول العالم ممن استخدموا الثقافة لمواجهة الحرب وتعزيز السلام.
(لا تظن أبداً أن الحرب، مهما كانت ضرورية أو مسوّغة، ليست جريمة) عبارة أستعيرها ممن رسم ملامح الرواية الأمريكية الأميركي إرنست همنغواي مستحضرة روايته «وداعاً للسلاح».. الرواية التي كتبها خلال الحملة الإيطالية في الحرب العالمية الأولى، ونشرت عام 1929، وعنوانها مأخوذ من قصيدة للكاتب المسرحي الإنجليزي جورج بيليه (القرن السادس عشر). الرواية رويت على لسان ملازم أمريكي في المستشفى الميداني للجيش الإيطالي، وتدور أحداثها حول علاقة حب تنشأ بين المغترب الأميركي هنري وكاترين باركلي على خلفية الحرب العالمية الأولى.
أستذكر تالياً بعض أبيات الشاعرة الروسية البارزة آنا أخماتوفا (ت. إبراهيم استنبولي)، وما تناولته قصائدها من معاناة الشعب الروسي إبان الحرب :
أشربُ نخبَ البيت الخرِب
ونخبَ حياتي الشريرة،
أشرب نخب الوحدة معاً
نحن الاثنين،
ونخبَك أيضاً أنا أشربُ!
لأجل الشفاه التي خانتني كاذبةً،
وتلك البرودة القاتلة في العينين،
نخبَ هذا العالَمِ القاسي والفظ،
ولأنَّ الربَّ لم ينجِّنا!)
الكاتب الكيني نغوغي واثيونغو المتصدر سنوات عدة قائمة المرشحين لنيل جائزة نوبل للآداب، كتب بشكلٍ موسع عن تأثير الاستعمار والحرب في المجتمعات الإفريقية، وتكشف روايته «بتلات الدم» عواقب العنف بعد الاستعمار في كينيا. الكاتب المقاطع للغة الإنجليزية قال في أحد لقاءاته الصحفية (ت.لطفية الدليمي): «تقوم وظيفة الأديب على امتحان ومساءلة الظواهر المتداخلة بغية فتح نافذة يمكن الولوج منها إلى الروح البشرية، كما ينبغي لكل الوسائل المادية التي تديم الحياة أن تنتهي شكلاً من الروحانية التي تثري الحياة البشرية في خاتمة الأمر».
(الأطفال العُراة يضحكون، كأنما الرجل لن يلتقط الصورة ثم بعد ذلك يتركهم وحدهم لمصيرهم)؛ بدورها الكاتبة النيجيرية شيماماندا نجوزي أديتشي تعمقت في روايتها «نصف شمس صفراء» في تفاصيل حرب بيافران، وتأثيراتها في الأفراد والأسر. كذلك فعل خالد حسيني: الكاتب الأفغاني – الأمريكي في روايتيه «عدّاء الطائرة الورقية» و«ألف شمس ساطعة» حين خطّ آثار الحرب والصراع على المجتمع الأفغاني : «السرقة هي الخطيئة الوحيدة التي لا يمكن غفرانها.. الخطيئة الأكبر بين كل الخطايا. عندما تقتل رجلاً، فأنت تسرق حياة، تسرق حق الزوجة بزوج، تسرق أباً من أولاده، عندما تكذب، تسرق حق شخص في الحقيقة، عندما تغش، تسرق حق العدالة، ليس هناك شر كالسرقة.»
وفي روايتها «البيت المستدير» تتناول لويز إردريش: الكاتبة ذات الأصل الأمريكي الأصلي، آثار جريمة عنف وقعت في محمية أمريكية للهنود الحمر، وتسلط الضوء على تأثير الصدمة التاريخية والمرونة الثقافية : «الحياة سوف تكسرك، لا أحد يستطيع أن يحميك من ذلك ، العيش وحيداً لن ينفعك، لأن العزلة ستكسرك أيضاً، وحتى العيش مع الناس لا يفيد ، سيتخلى عنك العالم، ولن يبقى بجوارك أحد ، عليك اذاً أن تخاطر بقلبك لكي تواجه كل هذا».
مجرد أمثلة قليلة عمن استخدموا أصواتهم وتعبيراتهم الثقافية لمواجهة أهوال الحرب والدعوة إلى السلام، فما انفك دور الثقافة متمثلاً في الحفاظ على التراث الثقافي هوية تلك الشعوب من الاندثار.