ملف «تشرين».. تباين آراء في فساد المجالس المحلية ..خبير يتهم ثغرات القانون.. ومشرّع يراه عصرياً
تشرين – غيداء حسن:
صلاحيات واسعة منحها قانون الإدارة المحلية لأعضاء المجالس المحلية، بما يلبي طموحات المواطنين للحصول على خدمات لائقة، لكن ما يلاحظ أن بعض الوحدات الإدارية، إن لم يكن أغلبها، ما زالت الخدمات فيها لا ترقى إلى مستوى الطموح، بل في أدنى مستوى، فهل المشكلة في بعض بنود القانون، أم في تطبيق أعضاء المجالس لها؟
الفساد موجود
يرى المدير السابق للمجالس المحلية في وزارة الإدارة المحلية والبيئة بسام قرصيفي أن الفساد موجود في أي عمل إن لم يحصن بوسائل رقابة، إن كانت مسبقة للوقاية أو لاحقة من أجل المعالجة، لكن في موضوع المجالس المحلية، على سبيل المثال لا الحصر، آخر موضوع فساد كان متعلقاً بالبنزين أو الغاز في محافظة حلب، كان أبطاله اثنان من أعضاء مجلس المحافظة، لكن لكيلا نجلد أنفسنا هذا الأمر ليس ظاهرة، لأن اثنين من أعضاء المجلس المئة نسبة ضئيلة، وهناك الكثير من أعضاء المجالس شرفاء يهمهم مصلحة المجلس الذي يعملون فيه، إلا أن ذلك لا ينفي أن في القانون مواد يمكن أن تترك هامشاً أو فراغاً، يمكن أن يستغله بعض الفاسدين من أجل مصالحهم الخاصة. فعلى سبيل المثال البند 3 من المادة 64 من القانون،
المادة 107 استغلت لدى البعض ويجب أن تعدّل بحيث
يستحقّ الأجرين المتقاعد لبلوغ السن القانونية وليس المستقيل
والتي تتحدث عن تصحيح الأوصاف، يطلب من المصالح العقارية أو السجل العقاري ألا يقوم بأي عملية تصحيح أوصاف إلا بعد الموافقة عليها من مجلس الوحدة الإدارية المعنية، لكن هذه المادة أيضاً تقول: إنه في حال أرسلت المصالح العقارية هذا الطلب إلى مجلس الوحدة الإدارية ولم يرسل المجلس جوابه خلال ثلاثة أشهر، يمكن أن تقوم المصالح العقارية بتصحيح الأوصاف، وإذا جرى تآمر بين مجلس الوحدة الإدارية وبين المستفيدين وسكتوا عن الجواب تصحّح الأوصاف، وهذا خلل يجب إعادة النظر فيه.
ليست كل المدن والبلدات لها مدير
الأمر الآخر الذي أشار إليه قرصيفي هو المادة 65 المتعلقة بمدير المدينة أو البلدة، هذا المدير مكلّف بموجب أحكام هذه المادة بالإشراف على الرقابة على المخالفات ومتابعتها وهدم أي مخالفة تقوم على مستوى وحدته الإدارية، لكن في الحقيقة ليست كل المدن والبلدات لها مدير، وبرأيه عدم وجود هذا المدير ينقل الأمور والصلاحية إلى آخرين لسنا متأكدين من حرصهم على قمع هذه المخالفات.
يجب أن يُعاد النظر فيها
أيضاً في المادة 103 يعد الموضوع استنسابياً. ودائماً أي مادة تبدأ بـ” للجهات الرقابية أو للوزير” فهذا أمر استنسابي، يجب أن يعاد النظر فيها، بمعنى أن تكون حاسمة، على سبيل المثال: على الجهات الرقابية أن تقوم بكذا، أو أن يقوم الوزير بكذا تحديداً من أجل ألا يترك الأمر للاستنساب للجهة الرقابية أو للوزير.
استُغلت لدى البعض
المادة 107 استغلت لدى البعض أو بعض رؤساء المجالس المحلية-حسب قرصيفي – هذه المادة تتحدث عن حق رئيس الوحدة الإدارية بالاستفادة من راتبه التقاعدي والأجر الشهري الذي يستحقه بموجب عمله على رأس هذه الوحدة الإدارية، البعض منهم كان عاملاً في الدولة، استقال من أجل أن يحصل على هذين الأجرين، لذلك يجب أن تعدّل هذه المادة، بحيث تنصّ على أن من يستحقّ الأجرين هو المتقاعد لبلوغ السن القانونية وليس المستقيل.
أهملت من معظم المجالس
ويشير قرصيفي إلى أن هناك مادة في قانون الإدارة المحلية أهملت من معظم المجالس المحلية، هي المادة 119 التي تنصّ على وجوب تشكيل لجنة للتدقيق يجب أن تكون من ثلاثة من أعضاء المجلس، ولها أن تستعين بمن تراه مناسباً من الخبراء من أجل تدقيق جميع الأمور المالية في المجلس، ويتم تشكيلها في الشهر الحادي عشر من كل عام وتنهي أعمالها في الشهر الثالث من السنة التي تليها، وأن تقدم تقريراً بكل الأمور المالية المتعلقة بعمل هذا المجلس وهذه المادة في الحقيقة مهملة تقريباً.
تقصير كبير
موضوع التعامل مع الفساد، كما يؤكد قرصيفي، موضوع رقابي، ونصت عليه المواد المتعلقة بالرقابة على عمل المجالس المحلية، وهناك نوعان من الرقابة، رقابة رسمية ورقابة شعبية، وجرى تعديل بموضوع الرقابة الرسمية بموجب القانون رقم 13 لعام 2020 الذي ينصّ على بعض التعديلات من أجل تفعيل موضوع الرقابة على عمل المجالس المحلية.
المادة ١١٩ أهملت من معظم المجالس المحلية
وإذا أتينا إلى موضوع الرقابة الشعبية فمن حق المواطنين الرقابة على عمل المجالس، وهذا الأمر أيضاً هناك تقصير كبير بشأنه، فالمنظمات الشعبية والنقابات المهنية أيضاً من حقها الرقابة على عمل المجالس، وحتى الإعلام له الحق في الرقابة على عمل المجالس المحلية ومكاتبها التنفيذية، وللأسف هذه الجهات مقصّرة في هذا المجال ويجب أن تفعّل عملها من أجل أن يتكاتف الجميع لتحصين عمل المجالس المحلية. وأيضاً هناك المادة 151 التي تنصّ على أن للجهاز المركزي للرقابة المالية الحقّ في الرقابة على عمل المجالس المحلية من الناحية المالية.
هذه بعض المواد عرضها مدير المجالس السابق، يجب التعامل معها من أجل تحسين عمل المجالس وإبعادها عن الفساد، لكن الأمر يحتاج إلى دراسة شاملة، مضيفاً: أثناء عملنا بالمجالس المحلية في الوزارة كان هناك بعض الاجتماعات وعملنا على بعض الأمور من أجل تعديل بعض مواد قانون الإدارة المحلية، لكن لم يأخذ طريقه للتنفيذ، وهذا لا يعني أنه لم يكن هناك تعديل، فمنذ بداية تنفيذ أحكام قانون الإدارة المحلية تمت إضافة بند للمادة 20 من قانون الإدارة المحلية التي تم بموجبها إيجاد وسيلة لتسمية رؤساء المجالس المحلية. أيضاً للضرورة تم تعديل البند الثاني من المادة 55 من قانون الإدارة المحلية المتعلقة بحال غياب المحافظ عن عمله وتكليف نائبه أو نائب رئيس المكتب التنفيذي بمهامه. أيضاً القانون 13 لعام 2020 نصّ على بعض التعديلات لبعض مواد قانون الإدارة المحلية.
نصوص لم تطبق
من جهته يؤكد عضو مجلس الشعب مجيب الدندن أن قانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم ١٠٧ لعام ٢٠١١ قانون مهم وعصري ويتضمن الكثير من الإيجابيات، لكن مشكلتنا في تطبيق هذا القانون، فهناك العديد من النصوص لم تطبق.
على سبيل المثال في موضوع اللامركزية الإدارية، تضمّن القانون نصوصاً واضحة بهذا الخصوص، ذكرها الفصل الثالث -المادة الثالثة، التي تتحدث عن مجلس أعلى للإدارة المحلية يترأسه رئيس مجلس الوزراء، هذا المجلس الأعلى هو الذي يضع الخطة الوطنية للامركزية الإدارية، وفق برنامج زمني محدد والإشراف على تنفيذ هذه الخطة ودعمها، إذ يجب أن يصدر تلك الخطة خلال ستة أشهر من صدور القانون ولكن إلى الآن لم يتم ذلك، مضيفاً: لذلك ذكرت هذا الموضوع لوزير الإدارة المحلية والبيئة ولرئيس مجلس الوزراء من خلال سؤال خطي وأدرج هذا الموضوع في البيان الحكومي للحكومة الحالية، لكن كخطوات جديّة بهذا الأمر لم تتم، كما أن هذه الخطة يجب أن تنفذ خلال خمس سنوات وتمدد لمرة واحدة، وقانون الإدارة المحلية صادر منذ عام 2011 ويفترض أن نكون انتهينا خلال عشر سنوات.
قانون الإدارة المحلية أفرد باباً خاصاً يتعلق بالرقابة على المجلس وإنهاء العضوية وهو ما يحدّ من الفساد
النقطة الأخرى التي أشار إليها الدندن هي أن قانون الإدارة المحلية أتاح للوحدات الإدارية الاستثمار، فهي وحدات مستقلة مالياً وإدارياً، والقانون كان واضحاً بهذا الخصوص لكن ذلك أيضاً لم يفعّل، يضاف إلى ذلك أنه يجب أن يكون لدينا مصرف لتمويل الوحدات الإدارية، وحتى الآن لم تتخذ أي إجراءات بهذا الخصوص أبداً.
شكاوى الفساد
وعما إذا كانت ترد شكاوى فساد تتعلق بالمخالفات على أداء بعض المجالس، يؤكد رئيس مجلس محافظة دمشق إياد الشمعة أن المادة (7) من قانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 107 لعام 2011 نصت على أن الجمهورية العربية السورية تتكون من وحدات إدارية، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، والمقصود بالوحدة الإدارية هي المحافظة – المدينة – البلدة – البلدية. كما أشارت هذه المادة إلى أنه يجوز أن يكون نطاق المحافظة مدينة واحدة، يمثّلها مجلس واحد، وهو حال محافظة دمشق التي نطاق عملها مدينة دمشق فقط، يمثلها مجلس واحد، يتمتع هذا المجلس ومكتبه التنفيذي باختصاصاته واختصاصات مجلس المدينة ومكتبه التنفيذي، مشيراً إلى أن الشكاوى التي ترد تكون حول مخالفات في أداء بعض الأجهزة المحلية، والأجهزة المحلية هنا مديريات الوزارات التي نقلت اختصاصاتها إلى السلطة المحلية، يعني مجلس المحافظة. كذلك المخالفات حول الأجهزة المحلية الأخرى، وحول المديريات الخدمية التابعة للمحافظة أو المدينة، وهناك شكاوى حول عمل المديريات القائمة ضمن المحافظة.
يحدّ من الفساد
وأكد الشمعة أن قانون الإدارة المحلية أفرد باباً خاصاً يتعلق بالرقابة على المجلس وإنهاء العضوية، وهو ما يحدّ من الفساد بكل أشكاله من قبل أعضاء مجلس المحافظة، سواء من خلال التقاعس عن أداء الواجبات أو الانحراف عن السياسة العامة للدولة، أو تحقيق مكاسب شخصية بعيداً عن مصلحة الجماهير. كذلك حدد القانون مسؤولية المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة أمام مجلس المحافظة، وأكد على محاسبة المكتب التنفيذي وحجب الثقة عنه جماعياً أو إفرادياً، كما يمكن الوصول إلى إمكانية حل المجلس بكامله، لمخالفته القوانين والأنظمة وتقصيره بأداء مهامه.
ولفت إلى أن الوصول للحالات التي تؤدي إلى إنهاء العضوية أو أي شكل من أشكال المحاسبة تتم عبر تفعيل الرقابة على مجلس المحافظة بنوعيها الرسمي والشعبي، فالرقابة الرسمية تتم من خلال تدقيق القرارات التي تصدر عن مجلس المحافظة والمرسلة إلى وزارة الإدارة المحلية أو الوزارة المختصة، ومطابقتها لقوانين الدولة وأنظمتها وخططها، وفي حال تعارضها تعاد للمجلس لإلغائها أو تصويبها. الرقابة الثانية هي الرقابة الشعبية وتتمثّل في مطابقة عمل المجلس والمكتب التنفيذي للبرامج التي أعلنها هذا المجلس للمواطنين، الذين لهم الحق في الاطلاع على المعلومات بدقة وشفافية، وقيام المجلس بتنظيم ندوات دورية يعرض فيها ما قام به من إنجازات وتنفيذ للخطط والبرامج وإعداد الخطط المستقبلية ومعالجة شكاوى المواطنين. كما أن للمنظمات الشعبية والنقابات المهنية وهيئات المجتمع المحلي ووسائل الإعلام الحق في مراقبة ونقد المجلس ومكتبه التنفيذي وأجهزته المحلية، من خلال مذكرات توجّه إلى المجلس، ويحق أيضاً لأي مواطن تقديم شكوى أو نقد لعمل المكتب التنفيذي أو أجهزة السلطة المركزية أو المحلية، وتتم دراسة هذه الشكاوى ومعالجتها والردّ عليها.
رقابة مالية أم إشراف قانوني فقط؟
تعدّ الرقابة المالية نوعاً من أنواع الرقابة على عمل المجلس ومكتبه التنفيذي من خلال تنفيذه لبنود الموازنة ووضع الخطط والبرامج ومتابعة تنفيذها، والتي تعدّها لجنة التخطيط والبرامج والموازنة، وتعرض على المجلس. وهنا يعدّ المكتب التنفيذي والمديريات المعنية مسؤولين أمام المجلس عمّا ذكر آنفاً .
والإجراءات التي يمكن اتخاذها في حال ورود شكوى تتضمن فساداً تندرج تحت البنود التي تمت الإشارة إليها في صلب قانون الإدارة المحلية، فالمكتب التنفيذي والمديريات المعنية ضمن المحافظة، سواء منها المحلية أم أي مديرية خدمية أو مالية وغيرها، مسؤولة أمام مجلس المحافظة عن حسن أدائها، ومطابقة عملها للأنظمة والقوانين النافذة، كما أكد الشمعة، وفي حال وجد تقصير أو تقاعس أو إهمال في عملها، تتم محاسبتها أمام المجلس أو توجيه الملاحظات حولها، وعند ثبوت أي عملية فساد يصار لاتخاذ الإجراءات القانونية بالتنسيق مع المحافظ.
ضوابط ومحددات نصّ عليها القانون
مدير الشؤون القانونية في وزارة الإدارة المحلية والبيئة عيد النبوتي يوضح أن هناك ضوابط ومحددات للحدّ من الفساد بكل أشكاله، نص عليها قانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /107/ لعام 2011، أهمها:
– إخضاع المجالس المحلية ومكاتبها التنفيذية للرقابة الرسمية والشعبية، سواء لجهة الرقابة على قراراتها المتعلقة بوضع الخطوط والبرامج والأنظمة من وزير الإدارة المحلية والبيئة والوزير المختص والمحافظ، أو لجهة أحقيّة النقابات والمنظمات الشعبية وهيئات المجتمع المحلي بمراقبة ونقد عمل هذه المجالس ومكاتبها التنفيذية، وأحقية وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة الرقابة على عمل الوحدات الإدارية وفق القوانين والأنظمة النافذة .
ضوابط ومحددات نصّ عليها القانون
– مسؤولية المكاتب التنفيذية أمام المجالس المحلية ولهذه المجالس الحق في محاسبتها وحجب الثقة عن الأعضاء المنتخبين جماعياً أو إفردياً.
– ينتخب مجلس الوحدة الإدارية من بين أعضائه بالاقتراع السرّي لجنة تدقيق، لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة، مهمتها تدقيق العقود والإيرادات والنفقات وقطع الحساب والتصرفات التي يجريها المجلس ومكتبه التنفيذي في نهاية كل سنة .
– يتولى الجهاز المركزي للرقابة المالية مراقبة الشؤون المالية وتنفيذ موازنات الوحدات الإدارية المحلية.
– تعتمد المجالس المحلية ومكاتبها التنفيذية مبدأ الشفافية في نشر المعلومات كحق للمواطنين، وعلى هذه المجالس القيام بتنظيم ندوات دورية، تعرض فيها ما قام به المجلس من إنجازات ويستمع إلى شكاوى وتظلّمات المواطنين ونشر تقييم أداء المكاتب التنفيذية من جهة تحقيق الأهداف وتنفيذ الخطط .
– صدر تعميم وزير الإدارة المحلية والبيئة رقم (1847/ص/م.ح) تاريخ 5/7/2023 إلى المحافظين، مشيراً إلى النشر عبر الصفحة الرسمية للوحدة الإدارية لكل من: جدول أعمال جلسات المكتب التنفيذي (قبل الاجتماع)، محضر اجتماع جلسات مجلس الوحدة الإدارية والقرارات الصادرة عنه، قرارات المكتب التنفيذي المتخذة لكل بند من بنود جدول الأعمال.
– كما صدر تعميم الوزير رقم (1848/ص/م.ح (تاريخ 5/7/2023 إلى المحافظين في إطار تكريس مبدأ الشفافية بنشر المعلومات للتعاون والتعاطي الإيجابي مع كل وسائل الإعلام المرخصة أصولاً، وتزويدها بما يلزم من معلومات لتمكينها من القيام بالدور المنوط بها.
ونصت المادة /123/ من قانون الإدارة المحلية على أنه إذا رأى مجموعة من المواطنين أن ممثلهم في المجلس قد انحرف عن السياسة العامة للدولة أو عمل على تحقيق مكسب شخصي متناسياً مصالح الجماهير أو تقاعس عن القيام بواجباته نحوها، فلهم الحق بتقديم مذكرة بهذه الموضوعات إلى المجلس المختص، وعلى هذا المجلس أن يحقق فيها، فإذا ثبتت إدانته قرر المجلس إلغاء عضويته.
اقرأ أيضاً: