«صنّاع المحتوى» وتدمير مضامين الذائقة البشرية!
تشرين- هدى قدور:
صنّاع المحتوى صاروا أسراباً من الجراد الإلكتروني، ينبعون من الشاشات وأجهزة الموبايل والتابات كي يزيدوا المضامين خراباً بعدما شُوهت الإنسانية، وأصبحت فضيحة يقذفها مخربو المحتوى على مواقع أسواق «الجمعة» في السوشيال ميديا كي يحصدوا الزبائن الفاغرين من متعة الكارثة.
الكتابة، أكبر ضحايا أولئك الصناع الذين من الأفضل إلحاقهم بنقابات لا علاقة لها بالإعلام، لكن المشهد تغير، كما يقول إيلون ماسك وزوكربيرغ، وما علينا إلا الالتزام وفق الخط الذي تفرضه الليبرالية الحديثة التي سبق أن شوهت مفهوم العلاقات الاجتماعية والعائلة، واخترعت ألف طريقة لتسطيح الشعوب وتتفيهها في حضارة الاستهلاك.
مهنة صانع المحتوى، أصبحت من علائم الخراب، وبدلاً من صفة «شاعر أو روائي أو صحفي» جاء صانع المحتوى بكامل كارثيته كي يحول المشهد الإبداعي إلى سوق، وليفرض قوانينه الخاصة التي لا تقبل الجد، لأنها مرتبطة بكمية الجمهور المجذوب، وتالياً سيكون من الصعب منافسة أولئك الصناع من قبل شعراء لا يشق لهم غبار، أو روائيين تركوا بصمة في المشهد، أو فنانين أفنوا عمرهم في التلوين، لأن قوانين السوق الجديد استحدثت شروطاً مختلفة، وأصبح الإبداع بمفهومه القديم بائداً، و وأصبح المبدعون لا يتمكنون من الحصول على عشرات المعجبين لمنشوراتهم في أفضل الأحوال.
انهيار البشرية متوقع في أي لحظة، وهو بالتأكيد لن يكون ناتجاً عن ثقب الأوزون واحتمالات الحرب النووية أو الجفاف أو اصطدام نيزك بالأرض، بل هو في الخراب المعمم على العقل والروح والذائقة. ومن الغريب أن يتسابق الناس لإبداء إعجابهم بالبشاعة، في حين يجلس الجمال وحيداً لا أحد يلتفت إليه.
يقولون إن العصر اختلف، وإن التقدم التكنولوجي سيفرض قوانينه المختلفة على كل شيء، وربما يكون هذا أحد الأدلة على الحضارات التي تفني ذاتها بسبب التخلي عن الغاية التي ولدت لأجلها. فاليوم لا غاية ولا هدف ولا قيمة إنسانية نبيلة، سوى الربح وتجميع المعجبين، بغض النظر عن هول التدمير الحاصل، وربما تكون اللغة العربية والشخصية العربية من أكثر الخاسرين في هذه المواجهة غير المتكافئة لأن العرب مجرد مستهلكين في هذا المشهد المعقد المراد تعميمه بالقوة.
صناع المحتوى يبحثون عن أي شيء يشعل مواقع السوشيال ميديا، يريدون تكسير الأرقام القياسية للمتابعة، ومن ثم، فإن تمجيد الفضيحة والاحتفاء بالعار سيكونان من أهم الأدوات المتبعة والتي ستتفاقم في المراحل القادمة، إذ لا حسيب ولا رقيب، ولا معيار ولا قيمة جمالية، بل هو الوباء المنتشر بلا مضادات حيوية يمكن أن توقفه أو تحد منه!.