مفاتيح السيطرة على العالم خمسة.. جميعها في منطقتنا.. نملكها أم تملكنا؟

تشرين – مها سلطان:
لمناسبة ما نشرته صحيفة «أرغومينتي إي فاكتي» الروسية، يوم الجمعة الماضي، حول «مفتاح النفط» الذي يمثله مضيق هرمز، واستماتة الولايات المتحدة الأمريكية لامتلاكه، وكيف أنها تسعى لعسكرة المضيق بزيادة المقاتلات والسفن الحربية التي ترسلها إلى الخليج العربي بذريعة حماية السفن من الاختطاف، والمتهم طبعاً إيران، والسبب مفهوم ما دامت الولايات المتحدة تريد سلب إيران هذا المفتاح العالمي.
لمناسبة هذا الحديث، وعلى طريقة «هل تعلم» نسأل:
هل تعلم أن مفاتيح السيطرة على العالم هي خمسة مفاتيح، جميعها تتركز في منطقتنا وتتمثل في المضائق والممرات المائية البحرية، التي تزنر الوطن العربي في ثلاثة أرباع دائرة، لكنها في بعدها الخارجي تزنر العالم اقتصادياً في دائرة كاملة.. تضيق أحياناً حروباً وتوترات فيقف العالم على رجل واحدة.. ثم تتوسع، فيسترخي على رجلين ولكن من دون اطمئنان.
هذه حال العالم الخارجي فكيف إذاً هو حالنا نحن في المنطقة الذين نتحمل الويلات والكوارث سواء ضاقت الدائرة أم اتسعت؟
ولأنه ممنوع علينا امتلاك هذه المفاتيح التي هي أساس السيطرة والنفوذ «أربعة منها تملكها دول عربية وإسلامية فيما الخامس كان عربياً في سالف الزمان» فإن منطقتنا لا تهدأ أبداً.. ومن نافل القول هنا إن نمو الدول وتقدمها وقوتها ما زال – وعلى كل المستويات – مرتبطاً بما تمتلكه من مضائق وممرات مائية استناداً لما توفره من نفوذ اقتصادي مطلق، وتالياً نفوذ سياسي مماثل.. ونفوذ عسكري كتحصيل حاصل.
لذلك يبدو من الأهمية بمكان أن نعيد التذكير بهذه المفاتيح الخمسة.. وكيف أن دول المنطقة لم تحسن استثمارها بالصورة التي تجعلها في مصاف الدول الكبرى والقوى ذات النفوذ، حتى إقليمياً… أكثر من ذلك تم استخدام هذه المفاتيح بالاتجاه المعاكس فأغلقت العالم على دول المنطقة بدلاً من أن تفتحه أمامها على قوة ونفوذ بلا حدود.. هذا ونحن لم نتحدث بعد عن أن هذه المضائق والممرات المائية تكتسب أهمية أعظم مع تركز الثروات النفطية في المنطقة وتمركز مناطق الإنتاج بالقرب منها، ما حوّلها إلى صمامات لإمدادات الطاقة إلى الغرب، وإلى شرايين غذّت قلب العالم الغربي وضخت فيه ما يكفي من جبروت وتجبّر ليجدد استعماره للمنطقة عقداً بعد عقد، رغم أنه يكفي الضغط على أي من هذه الشرايين ولو قليلاً ليعاني هذا القلب أزمات تودي به أو على الأقل تنهي تسلطه وأطماعه في منطقتنا.
وهو ما بدأت تفعله دول في المنطقة مؤخراً عبر الضغط على أحد هذه الشرايين، شريان النفط، وهو ما يقف الغرب معه متفرجاً، مكبل اليدين، يبتلع ضغوطه وتهديداته عاجزاً.

 

*** مثلث الخطر … متلازمة القوة والضعف
الفريد في تلك المفاتيح أنها تنفرد بأهمية مزدوجة: أهمية كوحدة قائمة بذاتها، وأهمية من اجتماعها مع غيرها، لنورد هنا مثالاً على ذلك عبر ما يُسمى مثلث الخطر «مضيق هرمز- مضيق باب المندب- مضيق جبل طارق»، هذه المضائق الثلاثة تشكل ما يشبه المثلث الذي ينضوي الوطن العربي جغرافياً بين أضلاعه الثلاثة «انظر الصورة» وبشكل جعله يحظى بأعظم موقع إستراتيجي على مستوى العالم من دون منازع أو منافس، والسؤال الذي يتبادر للذهن فوراً: إذا كان الأمر كذلك… فلماذا يسمى مثلث الخطر؟
لأن التفريط بهذه المضائق يحوّلها إلى مصدر خطر وتهديد دائمين، ولأن الولايات المتحدة حاضرة دائماً بضغوطها وتهديداتها، بل بحروبها، خصوصاً ما يتعلق بمضيق هرمز وإيران وكل ما تعمل عليه الولايات المتحدة من توتير لأجواء المنطقة بشكل متواصل من أجل السيطرة على مفتاح هرمز.

**** هرمز.. عنق العالم
يقع بين سلطنة عُمان التي تحده من الجنوب وإيران من الشمال والشمال الشرقي. اتساعه 26 ميلاً في الاتجاه الشمالي، و21 ميلاً في الاتجاه الجنوبي. عمقه يتراوح بين 60 و90 متراً، يكتسب أهميته من كونه يعد «عنق الزجاجة» في مدخل الخليج الواصل بين مياه الخليج العربي شبه المغلقة والبحار الكبرى على المحيط الهندي «بحر العرب وبحر عمان والبحر الأحمر» وهو المنفذ الوحيد للدول العربية المطلة على الخليج «عدا السعودية وسلطنة عمان» إلى دول العالم وعن طريقه تمر جميع وارداتها وصادراتها ولاسيما من النفط «السعودية لها موانئ على البحر الأحمر، وسلطنة عمان تقع موانئها الرئيسة على خليج عمان».. تعبره 200 إلى 300 ناقلة نفط يومياً «بمعدل ناقلة واحدة كل6 دقائق في ساعات الذروة» محملة بنحو 40% من النفط المنقول بحراً على مستوى العالم وبالسرعة المطلوبة، هذه الكمية والسرعة من الصعب تعويضهما بوساطة أي مضيق آخر، وهذا ما يجعل هرمز يتربع- كمعبر اقتصادي- على عرش المرتبة الأولى عالمياً، لذلك فإنّ مضيق هرمز بعد اكتشاف النفط في المنطقة شكل رهاناً إستراتيجياً دفع الدول الكبرى للتصارع من أجل السيطرة عليه، ومع استحالة أن تسلم إيران مفاتيحه أو أن تتشارك بها مع أحد، فقد عمدت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة إلى تعزيز قوتها في دول المنطقة بقواعد ثابتة أو على مقربة، لتشكل ما يشبه طوقاً يحاذي أقرب نقطة ممكنة من هرمز.
في خمسينيات القرن الماضي، عندما أمّم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قناة السويس 1956 بدا الغرب كمن تلقى ضربة على رأسه اهتز لها كامل جسده واستمر في حالة اللاتوازن حتى استعاد نفوذه عليها بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، في ذلك الوقت وصف رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن قرار التأميم بقوله: «إنّ عبد الناصر وضع إصبعه على قصبتنا الهوائية»، فإذا كانت قناة السويس كذلك بالنسبة للغرب فكيف الحال مع مضيق هرمز الذي يشكل منذ اكتشاف النفط منتصف القرن العشرين شريان العالم الطاقوي، وسيستمر كذلك حتى آخر نقطة نفط في المنطقة، من هنا فإنّ مضيق هرمز يشكل بالنسبة لإيران ورقة الجوكر الرابحة دائماً وأبداً، في كل مرة ترفعها في معركة المواجهة مع الغرب.
استطاعت إيران أن تحول مضيق هرمز إلى قوة ردع حقيقية ليس فقط بقوة الجغرافيا بل بقوة القانون الدولي الذي يكفل لها حقها السيادي على مضيق هرمز، هي مثلاً تستطيع إغلاقه عندما ترى أن هناك ما يهدد أمنها وسلامة أراضيها- بشكل دائم أو مؤقت، وذلك حسب نصوص معاهدة جمايكا 1982 وقبلها معاهدة جنيف 1958.

 

**** باب المندب … مفتاح الملاحة والأمن
الضلع الثاني في مثلث الخطر آنف الذكر هو باب المندب الذي يكتسب أهميته – بوصفه واحداً من أهم الممرات البحرية الإستراتيجية في العالم – من ثلاثة عناصر:
الأول، من قناة السويس التي افتتحت عام 1869 وربطت بين البحرين الأحمر والمتوسط ما أعطاها موقعاً وسطاً بين بلدان أوروبا والبحر المتوسط والمحيط الهندي وشرق إفريقيا.
الثاني، من مضيق هرمز نفسه، فهناك ارتباط بينهما في حركة النقل والملاحة لجهة المحيط الهندي، ولجهة أنه يضطلع بنقل جزء مهم من نفط الخليج العربي المنقول عبر مضيق هرمز إلى الدول الكبرى «ينقل60% من احتياجات أوروبا الغربية النفطية، بما يعادل 458 مليون طن سنوياً».
الثالث يتمثل بكونه مفتوحاً على البحر الأحمر الموصوف بأنه قلب العالم الإستراتيجي لوجوده في موقع وسيط بين أكبر مناطق إنتاج النفط في العالم، وعبر التاريخ كان البحر الأحمر هو مفتاح أمن المنطقة العربية، فيما باب المندب يتحكم بمدخله الجنوبي عبر جزيرة بريم «هناك ثلاثة مضائق تتحكم بمداخل ومخارج البحر الأحمر: خليج العقبة الذي يحكمه مضيق تيران، وخليج السويس الذي يحكمه مضيق غوبال، ومضيق عدن في الجنوب الذي تتحكم في مدخله جزيرة بريم» كما أن باب المندب يشكل صلة وصل بين البحر الأحمر والمحيط الهندي بمعنى أنه مفتوح أيضاً على المحيط الهندي وهذا ما يكسبه أهمية مضاعفة وضعته في موقع البديل المحتمل لمضيق هرمز.
تبعاً لما سبق يشكل باب المندب مفتاح الكتلة الإستراتيجية العربية التي تشمل منطقة الخليج والبحر الأحمر والبحر المتوسط، ومفتاح الملاحة الرئيس إلى البحر الأحمر بين ثلاث قارات هي آسيا وإفريقيا وأوروبا، يضاف إلى ذلك «أي ما يُكسب باب المندب أهمية مضاعفة» أن عرض قناة عبور السفن تقع بين جزيرة بريم والبر الإفريقي هو 16 كلم بعمق 100 إلى 200 متر ما يسمح لشتى السفن وناقلات النفط عبوره بيسر وعلى محورين متعاكسين متباعدين.
تطل اليمن على ساحل باب المندب العربي، فيما تطل جيبوتي وإثيوبيا على ساحله الإفريقي، تتناثر الجزر حوله وهي بمعظمها مرجانية أبرزها جزيرة ميون التي تشطره إلى ممرين:
1- ممر شرقي أكثر صلاحية للملاحة يقع بين نتوء في اليابسة هو الشيخ سعد في شمال اليمن، وبين جزيرة ميون ويدعى مضيق إسكندر ولا يتجاوز عرضه 3 كلم بعمق أقل من 100 قدم.
2 – ممر غربي بين ميون وجيبوتي بعرض 20 كلم وعمق يصل إلى 1000 قدم لكن الملاحة فيه صعبة.
تتوسط ميون المسافة بين منابع النفط وقناة السويس ولا تكاد تنقطع حركة الملاحة أو عبور ناقلات النفط الضخمة أمامها، تعد جزيرة ميون أحد مفاتيح باب المندب الموزعة على جزر أخرى أقل أهمية كجزيرة قمران التي يظهر القمر في سمائها وكأنه قمران وليس قمراً واحداً، وجزيرة كوريا موريا أمام ساحل ظفار في نقطة وسط بين عدن ومسقط، وجزيرة سوقطرة على بعد 220 ميلاً من الجنوب الشرقي لباب المندب، تبعاً لذلك يكون لليمن أفضلية إستراتيجية في السيطرة على باب المندب لكنه لا يحقق لليمن أي فوائد تذكر، بل هو مصدر الخطر الأكبر باعتباره مطمعاً رئيساً، للقريب والبعيد، لذلك نجد اليمن يقبع دائماً في دائرة الصراعات والحروب وبما يمنعه من التحول إلى قوة إقليمية بفضل باب المندب.
دعونا نذكر هنا – وبأسى – أن قلة في وطننا العربي تعرف أنه خلال حرب تشرين التحريرية 1973 قامت القوات المصرية واليمنية بإغلاق مضيق باب المندب في وجه السفن الإسرائيلية لمدة شهرين «باب المندب هو المدخل الوحيد لإمدادات النفط والتجارة القادمة من المحيط الهندي إلى إسرائيل» وكان لإغلاق باب المندب بوجه الملاحة الإسرائيلية تأثير كبير في مسار الحرب لمصلحة الجانب العربي، وبما أجبر الولايات المتحدة على تحريك أسطولها السابع باتجاه باب المندب فيما سمحت إثيوبيا لقوات إسرائيلية بالتمركز في جزر قريبة منه. وكان فك الإغلاق أحد البنود في إطار ما يُسمى اتفاقية فصل القوات بين مصر و«إسرائيل» 1974.

 

**** جبل طارق.. العرب كانوا هنا
الضلع الثالث لمثلث الخطر هو مضيق جبل طارق، يحتل هذا المضيق موقعاً إستراتيجياً استثنائياً بين شبه الجزيرة الإيبيرية «الأندلس سابقاً» وشمال إفريقيا، ويشكل نقطة وصل أساسية بين أوروبا وإفريقيا وبين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، كما أنه المعبر الوحيد بين المتوسط والأطلسي، وتالياً فإن من يسيطر عليه يسيطر على عموم حوض البحر المتوسط، سُمي المضيق بهذا الاسم نسبة إلى أمير مدينة طنجة طارق بن زياد الذي عبره فاتحاً بلاد الأندلس عام 711، يبلغ طوله 58 كلم، تعبره يومياً 250 سفينة وناقلة شحن عملاقة، تمر خلاله سدس التجارة العالمية و5 % من تجارة النفط العالمية، يعد الفينيقيون من أوائل الشعوب التي استوطنته وكانت المنطقة على مر التاريخ محل صراع الدول الكبرى للسيطرة عليها، تضاعفت أهميته بعد فتح قناة السويس التي قادت ازدهار الملاحة عبر البحر المتوسط.
تتقاسم شواطئه كل من المغرب وإسبانيا، ومع ذلك فهو مستعمرة تابعة لبريطانيا منذ عام 1713 بعد أن قامت إسبانيا ببيعه لها، منذ القرن التاسع عشر تحاول إسبانيا استعادته من دون جدوى.. وكان مضيق جبل طارق قد خضع للتاج الإسباني فعلياً في عام 1501، وبعد هزيمة إسبانيا في حرب 1704 أمام بريطانيا وهولندا والنمسا أجبرت على تسليمه إلى بريطانيا رسمياً- بيعاً وشراء- وفق معاهدة أوتريخت 1714.
ووفقاً للقانون الدولي يحق للمغرب – الدولة العربية – أن تشارُك السيادة على مضيق جبل طارق باعتبارها دولة مشاطئة له، لكن هذه المسألة لم تطرح ولا في أي وقت.

 

**** قناة السويس.. ثلاث قارات في قبضة اليد
تعد قناة السويس العمل الإنساني المادي الوحيد حتى الآن الذي استطاع تغيير جغرافيا العلاقات الدولية ومعها كامل خريطة الصراع في المنطقة وعلى المنطقة. اختزلت قناة السويس قارة بأكملها هي إفريقيا فيما يشكل مجالها العام دائرة تقبض على ثلاث قارات معاً: أوروبا وآسيا وإفريقيا إضافة إلى جزر الهند الشرقية وأستراليا وصولاً إلى السواحل الشرقية لأمريكا الشمالية. هي صلة الوصل الوحيدة بين البحر المتوسط والبحر الأحمر إذ اختصرت المسافة بينهما إلى أكثر من نصف المسافة التي كان يتطلبها سلوك طريق رأس الرجاء الصالح (28 يوماً بدلاً من 60 يوماً). قصرت المسافة بين موانئ غرب أوروبا والهند بنحو 8000 كلم. تبعاً لذلك تعد قناة السويس أهم شريان مائي للتجارة العالمية بين الشرق والغرب وأهم طريق مائية آمنة بالمطلق، أسرع وأقصر وأقل تكلفة، تسلكها حركة النفط بين مصادر الإنتاج وأسواق الاستهلاك.. بالنتيجة فإنّ مصر تمتلك أعظم مجرى مائي في العالم باعتبارها ممراً للتجارة العالمية وقت السلم، وهي بالمقابل يمكن أن تكون سلاحاً سياسياً، وإستراتيجية حرب تصل انعكاساتها إلى كل البحار والمحيطات السبعة لمرور الأساطيل الحربية فيها.
هذه مفاتيح العالم الخمسة التي هي بين أيدينا، ونستطيع بها أن نحكم الدنيا.. لكننا لا نفعل. مع ذلك يبدو أن هذا الحال لن يدوم مع بدء اتجاه قوي بين عدة دول في المنطقة لاستعادة هذه المفاتيح، وهي قادرة على ذلك، إذا ما امتلكت القرار والإرادة، فهل نشهد ذلك قريباً، ونحجز مكاناً متقدماً/قائداً في عالم جديد يتشكل، فلا نتركه يفلت من بين أيدينا لنقع مرة أخرى ضحايا قوى جديدة تصعد على حسابنا ومن حسابنا.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار