ملف «تشرين».. استثمار غائب يتوعّد قطاع الإنتاج الحيواني بالفشل.. رؤية للخروج من “المأزق” مع لائحة متطلبات سريعة

تشرين – بارعة جمعة:
عروضٌ تأهيلية تسهم في تعافي الاقتصاد المحلي، مِنحٌ لمشروعات الإنتاج الزراعي والحيواني كثُرَ الحديث عنها، بالتزامن مع إعفاءات ضريبية وصلت حد الـ100% من ضريبة الدخل.. تسهيلات يراها البعض حالة جذب لاستثمارات محلية تفرض نفسها، في وقت لم يعد للوقوف والبحث عن حلول جدوى، سوى العمل والاكتفاء محلياً، بما يضمن تخفيض كُلَف ومستلزمات الإنتاج، التي لطالما كان المواطن الأكثر تحمّلاً لفاتورتها من حسابه الخاص.
دعوات وفرص من الممكن استثمارها من مستثمرين وصناعيين محليين، لكن يبقى السؤال الأهم حول مدى قدرة كل منهم على المغامرة اليوم بمثل هذه المشروعات، أم إنها ستبقى رهن انتظار رأس المال الخارجي الشجاع في حال تم استقطابه في القريب العاجل؟!

توجّه خاص
لِمَ تم تجفيف الذرة الصفراء عدا غيرها من المحاصيل العلفية الأخرى؟! سؤالٌ يطرح نفسه، وجعل لدى الأغلبية استفسارات وتساؤلات حول أهمية هذا الاتجاه، الذي عدّهُ مدير عام مؤسسة الأعلاف سابقاً المهندس الزراعي عمر خولاني الأصل في الموضوع، أمام اقتصادنا الذي يستدعي اهتماماً كبيراً من القطاعين العام والخاص، يُضاف لذلك طبيعة العمل في زراعة الذرة الصفراء، التي تتم ضمن نظام الزراعة التكثيفية القائمة بشكل رئيسي على استثمار الأراضي بنسبة 150%، موسم قمح كامل ونصف موسم ذرة صفراء، تتزامن مع فترة الرطوبة في شهري حزيران وتموز، إضافة لاحتواء الذرة نفسها على نسبة رطوبة 14%، وعلميّاً لا يمكن تخزينها ضمن هذه النسبة التي تُعدّ الأعلى في نسب التخزين، وفي حال تجاوزها سيكون مصير الذرة التلف وفق تأكيدات خولاني.

مهندس زراعي: المشكلة اليوم كما في السابق هي السياسات الزراعية

ومن الممكن التعاقد مع الفلاحين بموضوع الذرة الصفراء فالاعتماد على الذات هو الحل

زراعة موسم رئيسي واحد، يعطي ذرة جافة صالحة للتخزين أيضاً، لكن في المقابل سنخسر مواسم أخرى لقاءَ موسم واحد في العام، نتيجةٌ ملموسة لم تأتِ من عبث، بل هي حصيلة تجربة المهندس خولاني في العمل بين عامي 1985 و1993، التي تزامنت مع إدخال زراعة الذرة السورية بكميات كبيرة كافية، لسدّ حاجات الدواجن في سورية نوعاً ما، إلا أن استهلاك الذرة ازداد في النصف الثاني من القرن الثاني بعد إدخال تربية الدجاج للبلاد أوائل السبعينيات، حيث شكّلت الذرة نسبة 70% من علف الفروج و50% من علف الدجاج البيّاض، فازداد الطلب حينها على استهلاك الذرة لحدود 200 – 300 ألف طن حسب رواية خولاني.
الذرة الرطبة تحتاج إلى مجففات، وهنا برزت المشكلة التي لا تزال حتى اليوم عالقة بين قدرة تأمينها وتجفيفها أو استثمارها، وكيفية التوسع بزراعتها، لاعتماد البلاد على المورد المحلي سابقاً بدل الاستيراد، واليوم ما زلنا ندور ضمن الحلقة ذاتها، فهل باستطاعتنا إعادة الإنتاج المحلي للذرة التي وصلت ضمن الرقة إلى 700 كيلو للدونم وبمعدل إنتاج جيد جداً؟!!
المشكلة اليوم هي السياسات الزراعية كما كانت في السابق – برأي خولاني- وإذا ما قررنا العمل باستثمار المجففات من قبل صناعي أو تاجر، فلابد من تأمين المازوت والكهرباء له، لتلازم الطرفين بتشغيل المجففات على مدار الساعة، فالموضوع اقتصادي ومهم، ومن الممكن التعاقد من خلاله مع الفلاحين بشراء الذرة منهم، فالاعتماد على الذات هو الحل.
تلازم المسار

لم يكن مصادفة اعتماد كلّ من الإنتاج الصناعي على مستلزمات زراعية تُغني مسيرة الصناعة منذ الأزل، فما تنجزه الصناعة ترسمه الزراعة مُسبقاً، ضمن خطط متلازمة الهدف والنتيجة، لذا لابد من تفعيل عجلة الاستثمار للصناعيين ضمن أفق التطورات الآنية، التي برزت بقوة ضمن جدال الأعلاف التي أرخت بثقلها على منتجات الثروة الحيوانية، الأكثر مساساً بمعيشة المواطن اليومية، لتبرز مسألة تأمين الأعلاف المحلية والاحتفاظ بها فترة أطول كحل مثالي لهذه الكارثة،

خبير تنموي: الاستثمار في موضوع المجففات مهم لجهة استثمار الوفرة

وتحويل المُنتَج السريع العطب إلى منتج قابل للاستهلاك

التي عدّها الخبير التنموي أكرم عفيف الأبرز في حديث الشارع السوري، والناتجة عن عدم تقدير الخطط اللازمة لتأمين المادة العلفية عبر ضمان تخزينها بعد تجفيفها لفترة طويلة، لتأتي فكرة دعم مشروعات خاصة بالمجففات الأهم برأيه لجهة امتصاص القلّة من جهة، وباعتبارها تصلح لكل أنواع المنتجات والمحاصيل الأخرى، فما تم العمل به سابقاً من الحكومة بتحديد سعر الذرة بـ2200 وصولاً لبيعه بـ700 ليرة لأنه غير جاف، يُحتّم النظر بهذا المشروع وفق رؤيته، عدا كونه سيجلب ريعية اقتصادية مهمة لصاحبه، وأن ما نعانيه اليوم هو الوفرة وليس القلة كما يعتقد البعض، التي تحتاج إلى إيجاد طرق لتحويل المُنتَج السريع العَطب إلى منتج صالح للاستهلاك، لتأتي المجففات – برأي عفيف – حلاً لمشكلة الأعلاف التي دمّرت قطاع الثروة الحيوانية، بالاعتماد على الشراكات الحالية التي قتلت المُنتِج لمصلحة المُستورد، فالاستثمار اليوم في منطقة الغاب حصراً مهم جداً، ولاسيّما أن هنالك محاصيل يتم جنيها بمرحلة المطر كالفستق والذرة الصفراء.

الصناعي طيفور: مستعدون للعمل ضمن استثمار المجففات

شرط توجيه الدفّة من الدولة أولاً بحوافز غير مسبوقة لهذه الاستثمارات

الموضوع مهم جداً، كما أنه ملف اقتصادي متكامل، تُعنى به كل الوزارات والهيئات الزراعية والصناعية، وفق توصيف الصناعي عاطف طيفور لأهمية هذا التوجّه، لكون العلف مادة استراتيجية تستنزف قطعاً أجنبياً مخيفاً على حد تعبيره، ويجب توطينها من الجهات كلها، كما أنها لا تقل من حيث الأهمية عن أي مادة لجهة قيمتها المُضافة كمنتج حيواني، عدا كونها مشمولة ببرنامجي إحلال المستوردات ودعم سعر الفائدة، إلا أنه وبالرغم من كل ذلك فهي بحاجة لدعم مُطلقٍ وبلا شروط، ولاسيّما أنها مادة تتوافق مع الظروف المناخية وشروط زراعتها متوفرة، وهذا يستدعي النظر بالموضوع برأيه من زاوية الاكتفاء الذاتي منها، مؤكداً حماسه واستعداده للاستثمار ضمن هذا المجال في حال تم توجيه الدفة من الدولة أولاً بحوافز غير مسبوقة لهذه الاستثمارات، الأمر الذي سيجلب الكثير للاستثمار ضمنه.

تعثّر القرارات
ما الذي سيجنيه الصناعي من تجفيف الذرة؟! سؤال يتبادر إلى ذهن مستثمرين ممن أقدموا على دراسة الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع، من أوروبا إلى الصين، وفق تأكيدات مستثمرين في قطاع الدواجن، واصفين الأمر بالسهل الممتنع لوجود عوائق كثيرة، أبرزها القرارات الأخيرة المتعلقة بالمِنصّة وتحويل القطع الأجنبي، ويؤكد المستثمرون الفكرة التي طُرحت سابقاً لتأمين مجففات والتي اصطدمت بأحدث القوانين وهي منع نقل المواد العلفية من محافظة إلى أخرى، والذي كان بمنزلة التعطيل لفكرة العمل، ولاسيَّما أن القرار لا يتوافق مع الواقع على حد تعبيرهم، فالمستثمر الداخلي أفلس ووصل حد التعب، بالمقابل نجد أن الحديث عن استقطاب مستثمرين خارجيين من الدول العربية والصين وروسيا يزداد، فكيف لهؤلاء المستثمرين التكيّف مع القوانين الراهنة؟! وهل باستطاعتهم ضمان حركة سلسة للبنوك وعمليات الصرف والتحويل؟!

معوقات الاستثمار
إلّا أن ما يتم العمل به وفق نظام الاستيراد للمادة العلفية يتم عادة باستقدام الذرة المستوردة للقطر بمواصفات قياسيّة من حيث درجة الرطوبة ومؤشرات أخرى، حسب توضيح الدكتور يحيى القيسي في مجال المعالجات التقنية في تصنيع الأعلاف بكلية الزراعة – جامعة دمشق، كما أنها لا تحتاج إلى تجفيف، شرط تخزينها في مستودعات ذات شروط خاصة، لجهة التهوية والظروف البيئية وطريقة التخزين.

مستثمرون محليّون: قانون منع نقل المواد العلفية من محافظة

إلى أخرى يعوق العمل في مجال المجففات إضافة لقوانين المنصة وتحويل القطع الأجنبي

أما الذرة المنتجة محلياً فتحوي على نسبة مرتفعة من الرطوبة، ولا يمكن تخزينها قبل إجراء عملية التجفيف لها، والتي تأتي برأي القيسي من باب الحرص على عدم إصابتها بالأفلاتوكسينات السامة، بسبب نمو الفطور والعفن وغير ذلك.
كما تقتصر عملية التجفيف اليوم على طرق نشر المزارعين للذرة في الطرقات وعلى الأرض الجافة، لعدم وجود مجففات، ما يتسبب بفقدانها قيمتها الغذائية بسبب القوارض والتلوث والحشرات، هنا تبرز التكلفة العالية لتشييد معامل خاصة بتجفيف هذه الحبوب، في حال كانت الكميات المنتجة محدودة أو كانت أماكن الإنتاج متفرقة وحسب الحيازات الزراعية الصغيرة، ويعود د.القيسي ليؤكد أن التكلفة هي من قيمة آلات التجفيف وأماكن تشييدها، ومن قيمة حوامل الطاقة اللازمة لتشغيلها، ومن توافر مستودعات التخزين المثالية اللازمة.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. هكذا تحولت النعمة إلى نقمة.. تلال من «السيلاج» تترك وقوداً للحرائق وتحرم منها قطعان الماشية !

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار