ملف «تشرين».. كيف نعيد التموضع.. ماذا نحتاج لإقامة تكتل اقتصادي عربي ينافس ويزاحم ويتسيّد؟.. -الرئيس الأسد في كلمته أمام قمة جدة يجمل الإجابة في: العروبة كانتماء.. توحيد السياسات.. الأمن الجماعي.. الإدراك الحقيقي لقوتنا الاقتصادية..

تشرين- مها سلطان:
الدعوة لاغتنام الفرصة التاريخية التي أطلقها السيد الرئيس بشار الأسد أمام القمة العربية التي انعقدت في جدة 19 أيار الجاري، هي في حقيقتها رسالة بثلاثة اتجاهات: الأول، إصلاح بيئة العمل السياسي العربي، أي العمل العربي المشترك تحت سقف الجامعة العربية، والمقصود هنا إصلاح الجامعة العربية نفسها ليكون دورها جامعاً موحداً بصورة فعلية وأن تكون سقفاً أمناً لجميع الدول العربية، هذا العمل العربي السياسي المشترك يجب أن يقود إلى نتيجة حتمية واحدة وهي أن تكون جميع الدول العربية آمنة تحت سقف الجامعة العربية التي «لا بدّ من أن تكون ملجأ من العدوان لا منصّة له»، كما يؤكد الرئيس الأسد، هذه النقطة، أي الأمن هي مكمن وجع الأمة، فعندما لا نأمن على بعضنا من بعضنا فهنا مقتلنا جميعاً.
الاتجاه الثاني بعد تحقيق وحدة العمل السياسي العربي تحت سقف الأمن لجميع الدول العربية، هو الفهم المختلف لإمكاناتنا كدول عربية تشكل وحدة جغرافية ديمغرافية واحدة، تقبع على بحر من الثروات والخيرات، الفهم المختلف لإمكاناتنا سيقود حتماً إلى التعامل المختلف معها، وعلى قاعدة ما توفره هذه الثروات من قوة اقتصادية هائلة، تدفعنا باتجاه مكان مُستحق لنا في المقدمة، ليس كتابع، ولا كجزء من كل، وليس ما يطلق عليه «عضو مراقب، أو مشارك..» أياً تكن التسمية لا فرق، اليوم أكثر ما نحتاجه هو هذه القوة الاقتصادية الهائلة في ظل عالم جديد يتشكل، قوامه الاقتصاد وليس العسكرة، يقول الرئيس الأسد أمام قمة جدة العربية «هي فرصة تاريخية لإعادة ترتيب شؤوننا بأقل قدر من التدخل الأجنبي وهو ما يتطلب إعادة تموضعنا في هذا العالم الذي يتكون اليوم كي نكون جزءاً فاعلاً فيه مستثمرين في الأجواء الإيجابية الناشئة عن المصالحات التي سبقت القمة وصولاً إليها اليوم».
الاتجاه الثالث وهو الأهم والأقصى ضرورة، يتمثل في سؤال: كيف نعيد التموضع، تموضعنا؟
يتحدث الرئيس الأسد في كلمته عن «التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية».. وعن العمل العربي المشترك الذي هو «بحاجة لرؤى إستراتيجية وأهداف مشتركة نحولها لاحقاً إلى خطط تنفيذية، بحاجة لسياسة موحدة ومبادئ ثابتة وآليات وضوابط واضحة، عندها سننتقل من رد الفعل إلى استباق الأحداث…».
هذا يعني، بالترجمة العملية، أنه لا بدّ من التكتل، سياسياً واقتصادياً، وأن علينا البحث «عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نَغرق، ونُغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب، والتهديدات فيها مخاطر وفيها فرص».. هي فرصتنا التاريخية كما يؤكد الرئيس الأسد، وحتى نعيد التموضع لا بدّ أن نكون قادرين على التكتل و«بأقل قدر من التدخل الأجنبي» هذا شرط أول.. والمقصود هنا التدخل بمعناه التخريبي المدمر كما هو حالنا مع الولايات المتحدة الأميركية.
ولأن الأخطار «لم تعد محدقة بل محققة» كما يؤكد الرئيس الأسد، فإنّ العمل يبدأ من «الأمل الذي هو الدافع للإنجاز وللعمل» معاً، أما العمل فلا بدّ أن يكون باتجاه واحد وهو التكتل، لا بدّ من العودة إلى بعضنا بعضاً.. إلى العروبة كانتماء جامع.. إلى وحدتنا السياسية والجغرافية والديمغرافية.. إلى أمننا العربي الجامع.. إلى ما تكتنزه دولنا العربية من قوة اقتصادية هائلة، المكشتفة منها أو الكامنة، المستثمرة أو تلك التي تنتظر.. أو لنقلها بصورة أخرى وعلى علاّتها، إذا كان علينا النجاة في عالم اليوم، عالم التحولات الكبرى والمخاطر الكبرى، لا بدّ من التكتل بهدف استقطاب كامل أوراق القوة في كل الميادين على مستوى الدول العربية نفسها، وإقليمياً ودولياً، هذه المسألة، أي التكتل، كانت الأهم والأكثر تركيزاً في كلمة الرئيس الأسد أمام قمة جدة.
ولأن الاقتصاد أساس التكتل في عالم اليوم، فهذا يقودنا إلى سؤال أساسي: هل إقامة تكتل اقتصادي عربي سهل على أرض الواقع؟
الرئيس الأسد تحدث عن الأمل كأساس للعمل. وهذا صحيح ولكن الصحيح أيضاً أن علينا توسيع دائرة فهمنا لمسألة الأمل التي يقصدها الرئيس الأسد، فعندما نتحدث عن الأمل نتحدث عن الإرادة.. عندما نمتلك إرادة العمل يتعزز الأمل بأننا نستطيع، والأمل والعمل هما بالأساس مترابطان بصورة عضوية باعتبار كل منهما دافعاً أساسياً للآخر.

وإذا ما تحدثنا عن العمل، وتحدثنا عن الجامعة العربية كسقف جامع، علينا أن نتحدث عن مؤسسات الجامعة العربية الاقتصادية التي أنشئت بصورة أساسية بهدف التكتل السياسي والتكامل الاقتصادي وتحقيق الإنتاج والأسواق المفتوحة بين الدول الأعضاء، تحت مظلة الجامعة العربية تم إنشاء المجلس الاقتصادي العربي عام1950 ، وكذلك فكرة إنشاء السوق العربية المشتركة عام 1964، وإبرام معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي عام 1990 لتحقيق أهداف الدفاع المشترك عن الدول العربية.
.. ولو تتبعنا الاتفاقيات المنعقدة بين الدول العربية نجد أن هناك رغبة في التعاون الاقتصادي، والدليل كمية الاتفاقيات التجارية بين الدول العربية، يخدمها في ذلك طبعاً كونها كتلةً جغرافية ديمغرافية ثقافية واحدة، وتجانساً كبيراً في هياكلها الاقتصادية.
هذا يعني نظرياً أنه من السهل تحقيق التكتل الاقتصادي العربي، وبما ينافس التكتلات العالمية الموجودة، ولكن عملياً ما زالت المنطقة العربية بانتظار توحيد السياسات والجهود السياسية، بانتظار توحيد نظرية الأمن الجماعي، بما يقود في نهاية الأمر إلى تصفير المشكلات على الساحة العربية، أو بعبارة أدق العمل على توحيد الجهود والرؤى لإخماد البؤر المشتعلة على الساحة العربية وبين العرب أنفسهم، هذا ما ركز عليه الرئيس الأسد في كلمته.. ومن دون ذلك لن نحقق التكتل المنشود.
هي إذاً فرصتنا التاريخية، دعوة مدوية يطلقها الرئيس الأسد.. فلنغتنمها، ولنأخذ مكاناً مُستحقاً لنا.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. التوسع شرقاً والبداية قد تكون عربية.. هل نشهد ولادة «بريكس بلس» الشهر المقبل؟.. «بريكس».. التكوين الديمغرافي والحضور الجغرافي والقوة الاقتصادية

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار