ملف «تشرين».. النزال المالي العالمي يوسع ميادينه شرقاً وسلطة الدولار على المحك.. تكتل «بريكس».. تأكيد القوة بتشبيك نقدي قوامه عملة «عالمية» جديدة

تشرين – بارعة جمعة:
«وداعاً للدولار».. شعارٌ أطلقه خبراء دول عدّة في انتظار معركة الحسم التي سيثبتها شهر آب القادم، معلنين خلاله بداية الانهيار التدريجي للهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، الذي سيضع الجميع أمام حسابات جديدة، لما سيحمله المستقبل من مفاجآت بعد استعداد «دول بريكس» لإطلاق عملتها الخاصة من خلال الذهب والمعادن الأخرى، وذلك خلال قمة «بريكس» المقبلة المقرر في 22 آب المقبل.. لحظة هي الأكثر انتظاراً وترقباً من المختصين أنفسهم، ممن عايشوا مرحلة انطلاق اليورو كعملة مواجهة للدولار، لكن ثمة تساؤلاً يثير الجدل حوله، عن مدى قدرة عملة دول بريكس على فرض نفسها عالمياً وسط بقاء اليورو حتى اليوم ضمن حدوده الإقليمية فقط؟!

خطوة جريئة
تحولات وتبدلات عالمية سياسية واقتصادية فرضت نفسها ضمن أفق يتسم بالسرعة في جذب أطراف للصراع العالمي، ليغدو قرار إنشاء عملة عالمية جديدة لدول «بريكس» يحمل صفة الجرأة وفق رؤية الخبير والمحلل السياسي والعسكري وفيق نصور، مقارنة بالنتائج القوية للصراع القائم بين قطبين شكلا قوة اقتصادية كبرى هما العملاق الروسي، أحد أهم أقطاب وقوى دول بريكس والحليف العملاق الصيني القادم بخطوات متسارعة الى ساحة السوق العالمية، وبين الأطلسي الذي يزجّ بكل أوراق قوته في هذا الصراع المعقّد بأهدافه المركّب بأدواته وساحاته.

نصور: عملة «بريكس» المحتملة ستأتي ترجمة للرهان على قوّة الاقتصاد وثباته وحيويته

الرّهان على قوة الاقتصاد وثباته وحيويته، كان وما زال ورقة رابحة في ساحات الصراع، من هنا جاءت فكرة دول بريكس بإنشاء عملتها العالمية في التبادلات التجارية والبنكية برأي نصور، لتكون في مواجهة الدولار الأميركي ولتحل محله في التبادلات الاقتصادية بين كتلة بريكس ودول أخرى، الذي هو بمنزلة تحول اقتصادي سياسي جديد في مجرى الأحداث، سيؤدي حتماً لمزيد من التحولات الاقتصادية السياسية التي سترسم خرائط سياسية اقتصادية وستسهم بفك الارتباطات لقوى سياسية واقتصادية عالمية، ما يجعل من قلب القارّة العجوز فرصة لحالات انفكاك عن العهد الأمريكي، الذي جسّده الدوران الفرنسي الأخير، إضافة لانزياحات قوى أخرى ولو بزوايا صغيرة في البداية.

تأثير محدود
الدخول ضمن تفاصيل إقرار عملة إقليميّة لدول بريكس ليس أمراً سهلاً، بل يحتاج إلى بنية تحتية وعمل كبير وفق تحليل الخبير المصرفي عامر شهدا، وبالتالي إن لم يصدر عملة لها وزنها عالميّاً، ستكون العملية فقط ضمن دول المجموعة، التي لا بدّ من أن تتفق بدايةً لإنشاء غرفة تقاصٍّ للتبادل التجاري باعتماد عملة كل دولة، أي عندما تُصدّر روسيا للأرجنتين تدفع الأخيرة بالروبل والعكس صحيح.
الحديث اليوم عن التعامل وفق هذا المبدأ والقبول بعملة كلا الطرفين يحتاج بنية تحتية غير متوفرة في سورية، وتقترن بوجود سياسة نقدية مُحكمة ورقابة مصرفيّة وأمور أخرى وفق شهدا، الذي توقع أنه من الممكن أن يكون قد تم الاتفاق بين سورية وإيران بقبول عملة كل من البلدين عبر غرف تقاصّ لكل منهما، مؤكداً في الوقت ذاته أن سيناريو عملة بريكس سيكون مشابهاً لليورو، وستنحصر العملة بين دول بريكس وأصدقائها فقط.

شهدا: الاقتصاد السوري ليس رهن التقلبات الخارجية

وتأثير إصدار عملة جديدة سينحصر بين دول «بريكس» وأصدقائها

الاقتصاد السوي لم يكن يوماً رهن التقلّبات الخارجية، لذا وإن ظهرت العملة الجديدة لن تكون لها انعكاسات فوريّة عليه، فالنهوض الداخلي برأي الخبير المصرفي عامر شهدا يتم عبر ترميم هيكليّات اقتصاديّة لتتماشى المؤسسات والاقتصاد مع ما ستفرضه عملة بريكس مع أسواق الدول المتعاونة معها، فالغرض من الاتفاقية هو تمويل التجارة الخارجية.

إثبات وجود
تنوّع اقتصادي يمنحها القدرة على الاستغناء عن جزء كبير من احتياجاتها من الدول الأخرى، هذا ما يميز دول بريكس وفق توصيف الدكتور في علم الاقتصاد جامعة تشرين سنان علي ديب، وما يتم العمل عليه من قبل هذه الدول يُصنّف ضمن مبدأ إثبات الوجود وليس تقويضاً أو إنهاءً للدولار كما يعدّه البعض، كما أن فكرة المشروع جيّدة لجهة ما يشكّله الحجم الاقتصادي والديموغرافي لدول بريكس من نسبة كبيرة على مستوى العالم، بينما الأمر لن يتم بسهولة برأي علي ديب، بل يحتاج جهوداً واستعدادات كبيرة وتحضيراً لأدوات للدفاع عن بنيويّة الدول، لتبقى التأثيرات آنيّة وليست اقتصادية فحسب، وربما نشهد تحريضاً من الفيدرالي للجهات التابعة للولايات المتحدة لتقويض الفكرة أو حصرها من حيث التأثير أيضاً.
المقارنة بين قيام واعتماد العملة الأوروبية – اليورو- سابقاّ وعملة بريكس اليوم غير متكافئ برأي علي ديب، لما حملته الأولى من تمهيد كبير على مختلف الصعد وبحيّز جغرافي متواصل ومتّصل، كما أنه من المؤكد أن لمثل قرار كبير كهذا إقراراً من السيادة العالمية، والذي سيبدأ بين الدول أولاً، ليبقى الحديث عن تفعيله كعملة بديلة أو موازية للدولار، أمراً من المبكّر الحديث عنه.

الصراع اليوم متعدد الأقطاب، وتأتي هذه الخطوة في بوتقة الصراع وفق رؤية الدكتور سنان علي ديب، كما تحتاج زمناً لأخذ دورها وفاعليتها بين الدول وخارجها وباستخدام الذهب والمعادن الثمينة ليس الدولار أو اليورو، مع احتمالية تعرض الدول المساندة لها لضغوط اقتصادية عسكرية سياسية، فيما يرى محللون وفق تأكيدات علي ديب أن دول بريكس تمتلك كل المؤهلات الاقتصادية والديموغرافية والطبيعية لإزاحة الدولار عن عرش التجارة العالمية، الذي تربّع عليه عقب الحرب العالمية الثانية.

بداية الأفول
المؤشرات الأهم بدلالاتها هي ما ستؤول إليه التعاملات المالية عالمياً، خاصة في مجال الطاقة العالمية والتبادل الاقتصادي بعملات الدول صاحبة وصانعة إنجازات مهمة في هذا الصراع العالمي مثل روسيا والصين برأي الخبير والمحلل السياسي وفيق نصور، فهل سيؤدي كل هذا لإزاحة الدولار من ساحة النفوذ الاقتصادي والسياسي العالمي ولاسيّما بعد اعتماد الأداة الاقتصادية كسلاح في العقوبات والحصار الاقتصادي لمن يخرج عن طوع الإرادة والهيمنة الأمريكية؟

د. علي ديب: المقارنة بين اليورو وعملة مرتقبة لدول «بريكس» غير متكافئة

لاختلاف مناخ قيام كل منهما كما تأتي هذه الخطوة في بوتقة الصراع العالمي القائم

يعود نصور ليؤكد أهمية ولادة عملة لدول بريكس التي وصفها بأنها ستكون عملة شابّة لاقتصاديات دول عملاقة أثبتت فاعلية وحيوية ولياقة في أسواق اقتصاداتها وفي السوق العالمية.
هي ثمار ونتاج إنجازات وانتصارات حققتها الدولة صاحبة القرار في هذا النزال العالمي، كما يختلف مناخ نشوئها عن المناخ الذي ولدت فيه العملة الأوروبية – اليورو- التي كانت ولادتها في ظروف هادئة مستقرة وبمباركة أمريكية، لذا كان لها ارتباط مع الدولار كعملة عالمية مسيطرة وقائدة، كما مثَّل اليورو وقتها حاجة أوروبية في التشبيك الاقتصادي للسير مع الدولار الأميركي من دون المساس بهيمنة ومكانة الأخير، بينما الأمر اليوم مختلف جداً برأي نصور، فولادة عملة عالمية جديدة هي نتيجة صراع قائم وستكون أداة فعالة في وجه الدولار الأمريكي، ما يؤدي لإنهاء هيمنته على أسواق الاقتصاديات العالمية ويخفف إلى حدٍّ كبير من فاعليته في القرار السياسي العالمي، وصولاً إلى إزاحته نهائياً في القادم من الأيام.
بالمقابل سنشهد دورانات لقوى إقليمية وعالمية باتجاه السوق النقدي الجديد، تتبعها هزّات اقتصادية نتيجة هذا التحوّل إذا ما حدث فعلاً، لذا ما علينا فعله هو إجراء حسابات واعتماد معادلات اقتصادية جديدة في الانتقالات المرجوة باتجاه الأسواق، التي ستتزين بيافطات العملة البريكسية الجديدة على حدّ تعبيره.
ويضيف المحلل السياسي وفيق نصور: «المتتبع والمدقق في أحداث هذا الصراع الذي أشعلته قوّة القطبية الواحدة الدولارية ليرتقي إلى الصراعات العالمية، كان بإمكانه أن يُقرأ في كف التغيرات المرتقبة، كما كان باستطاعته أن يسجّل تسلسل الأحداث والتطوّرات التي يشهدها العالم، فهو منطق وقانون نتائج الحروب والصراعات بهذا المستوى» مُرجعاً بالوقت ذاته هذه التحولات الكبيرة إلى الانتصار الذي حققه الروسي والصيني وحلفاؤهم في الملفين السوري والإيراني، ليبقى باب الانتساب الى النادي الدولي الجديد مفتوحاً للجميع.

اقرأ أيضاً:

بنك «بريكس» .. التكتل وحده لا يكفي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار