ملف «تشرين».. تقاطعات «بريكس- شنغهاي».. إعادة هيكلة عالمية وفق ركائز اقتصادية سياسية أمنية
تشرين- هبا علي أحمد:
يكثر الحديث راهناً عن التحوّلات العالمية واختلاف موازين القوى الدولية كأحد مفرزات العقد الأخير، لكن في الحقيقة إن هذه التحوّلات بدأت بوادرها الخجولة إن صح القول قبل ذلك بعقد تقريباً، مع بدء قوى أوراسية/آسيوية برسم خريطة مستقبلية لعالم جديد بتكتلاته ومؤسساته ومنظماته الدولية، يرتكز على عوامل تأثير مغايرة للسائد.
لا شك أن الآوان حان لإيجاد بدائل عالمية، بمعنى بدائل لمنظمات سياسية اقتصادية سادتها الهيمنة الأمريكية الغربية وتجميع الثروة في أيدي قلّة قليلة، لتتم إعادة توجيه البوصلة بما يخدم الشعوب ويلغي أهداف تحقيق الرخاء الدائم لما يعرف بـ«المليار الذهبي» وليذهب الـ7 مليارات الأخرى إلى «الجحيم» حسب القاعدة الرأسمالية الغربية، والأهم أن تمتلك تلك البدائل من الأهداف والمشاريع ما يواجه تلك الهيمنة، وما يبني الثقة بها من قبل الدول والشعوب التي تناهض الغرب، وفقدت الثقة به.
من البدائل التي تتصدى للمهمة اليوم، تكتل بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون.
القاعدة العالمية تقول: كلما زادت مساحة الدول الجغرافية
زادت حظوظها في الحصول على الموارد الطبيعية المتنوعة
في الـ٢٠٠١ تأسست منظمة شنغهاي الدولية في عدة مجالات على يد قادة ست دول آسيوية؛ هي الصين، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وروسيا، وطاجيكستان، وأوزبكستان. ووقع ميثاق المنظمة 2002، ودخل حيز التنفيذ في2003.
وفي الـ٢٠٠٩ أنشئت منظمة «بريكس» كتكتل يضم 5 دول تعد صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، أو حتى منذ أن بدأ التفكير بتكوين تعاون استثماري بين الصين والهند وروسيا والبرازيل عام 2006.
تلك المنظمات يمكن اعتبارها نقاط ارتكاز للعالم الجديد الذي ما زال الطريق طويلاً أمامها، لكنه بدأ وكسر الهيمنة الأمريكية اقتصادياً وسياسياً من خلال تلك المنظمات، التي تمتلك من عوامل التأثير ما يؤهلها لتحقيق الأهداف التي قامت لأجلها وما يؤهلها لوضع اللبنات الأساس للعالم الجديد.
المقصود بعوامل التأثير المساحة الجغرافية والبشرية المُغطاة، وتقول القاعدة العالمية: كلما زادت مساحة الدول الجغرافية زادت حظوظها في الحصول على الموارد الطبيعية المتنوعة والثروات الباطنية التي تحتاجها في تنمية اقتصادها، وبالتالي زاد تأثيرها الاقتصادي والسياسي والعسكري عالمياً ولا سيما إذا تجمعت تلك المساحة بقواها البشرية في تكتلات.. بالنسبة لشنغهاي، تمتد المنطقة الشاسعة التي تضم الدول الأعضاء في المنظمة من الشمال إلى الجنوب؛ من القطب الشمالي إلى المحيط الهندي، ومن الشرق إلى الغرب؛ من ليانيونجانج في الصين إلى كالينينغراد في الاتحاد الروسي، إضافةً إلى إيران، وبذلك يتم توحيد 5 دول تملك إمكانات نووية في منظمة إقليمية واحدة، و يُشكّل أعضاؤها ما يقرب من نصف سكان العالم، وبلغ حجم اقتصادات الدول الأعضاء في المنظمة، في عام 2020، نحو 18.4 تريليون دولار، بينما قفزت التجارة البينية للمنظمة إلى 6.2 تريليونات دولار خلال الفترة ذاتها، أضف إلى ذلك أن مجموع دولها، يمتلك إمكانات كبيرة على المستوى الجيوسياسي، وفي مجال النفط والغاز والطاقة الكهربائية، وغيرها الكثير.
في حين تشكّل دول مجموعة «بريكس» مجتمعة نحو 40% من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 40% من سكان الكرة الأرضية، حيث تضم أكبر 5 دول مساحة في العالم وأكثرها كثافة سكانية، ومن المتوقع بحلول عام 2050 أن تنافس اقتصادات هذه الدول، اقتصاد أغنى الدول في العالم حالياً، حسب مجموعة غولدمان ساكس البنكية العالمية، ووصلت مساهمتها في الاقتصاد العالمي إلى 31.5%، متفوقة على مجموعة السبع التي توقفت مساهمتها عند 30.7%.
أضف إلى ماسبق أن دول «بريكس» أكثر تطوراً في المجال الاقتصادي في العالم، وهذا الأمر يدعمه عدد من النقاط، فالبرازيل من أكثر الدول المزودة للمواد الخام، وروسيا مصدر عالمي للطاقة الكامنة والغاز، والهند هي مصدر مهم لتكنولوجيا المعلومات، أما الصين فلها موقع إنتاجي وديموغرافي متقدم ومتطور، وأخيراً جنوب أفريقيإ هي منطقة تعدين مهمة عالمياً وموقع استراتيجي عالمي مهم جداً بإشرافها على المحيط الهندي والمحيط الأطلسي معاً.
هذه الركائز المهمة سابقة الذكر تشكل جسور النظام العالمي ولا سيما عند إقرانها بمؤسسات اقتصادية ترفد مشاريع التنمية في دولها أو الدول الراغبة في الانضمام لها والتعاون معها، هذا من جهة.. ومن جهة أخرى تعمل لإصلاح نظام النقد الدولي، ووضع نظام جديد غير مرتكز على الدولار وحده، بإيجاد عملات بديلة، وهذه النقطة كانت إدراك دول «بريكس» التي سارعت إلى إنشاء مؤسسات جديدة تسعى لخلق نظام اقتصادي مالي دولي جديد، كبنك التنمية الجديد، وصندوق احتياطي الطوارئ، ونظام «بريكس» للمدفوعات، و دار نشر الإحصاءات «لدول بريكس»، ونظام إنشاء سلة عملات جديدة للدول الأعضاء في «بريكس».
هيمنة الدولار تقترن بالحروب والفوضى والعقوبات
وعالم اليوم يبحث عن مصادر أمان واستقرار وتحرر من سلاح العقوبات الأميركية
العائق اليوم الذي لا ننكره هو الدولار كعملة عالمية لا يستهان بأثرها وتأثيرها وهو أهم أدوات الهيمنة الأمريكية، لكن رغبة الكثير من الدول على مستوى العالم بالتوجه إلى التبادلات التجارية بالعملات المحلية والبحث عن بدائل للدولار الأمريكي يمكن اعتباره بداية لطريق النهاية الطويل بلا شك، ولا سيما أن هيمنة الدولار تقرن بالحروب والفوضى والعقوبات وعالم اليوم يبحث عن مصادر أمان واستقرار وتحرير من سلاح العقوبات، من هنا تأتي بداية النهاية للدولار وانخفاض الطلب عليه إن كُتب للتبادل بالعملات المحلية النجاح سيكون المقتل له، ولا سيما أن النظام النقدي متعدد الأقطاب قد يوفر ساحة لعب أكثر إنصافاً للدول الفقيرة، كما ذكر موقع «Responsible Statecraft»، التابع لمعهد «كوينسي» للدراسات الأميركي، في وقت سابق، والذي أضاف: برغم المعارضة المحتملة لواشنطن، ستستمر عملية نزع الدولرة، لأنّ معظم الدول غير الغربية تريد نظاماً تجارياً لا يعرّضها لسلاح الدولار أو الهيمنة.
اقرأ أيضاً:
«بريكس» يعزز قواعده الاقتصادية.. بيئة سياسية آمنة بعيداً عن الدولار