ملف «تشرين».. «بريكس» يعزز قواعده الاقتصادية.. بيئة سياسية آمنة بعيداً عن الدولار

تشرين- وائل الأمين:
يبدو أن العالم المتسارع لم يَعُد يَقبل بهيمنة اقتصادية وسياسية غربية، والأكثر من ذلك أن الدول المُحركة للاقتصاد العالمي باتت تستخدمه كسلاح ضد أي دولة تخرج من إطار الهيمنة، فلجأت بعض الدول لإنشاء تكتل اقتصادي بعيد عن أي هيمنة غربية ويفرض نفسه كقطب في الاقتصاد العالمي منافس لقطب الهيمنة الذي بدأ بالانهيار..

«بريكس» بين النشأة والانتشار
في عام 2006 اتفقت كلٌ من الهند والصين وروسيا والبرازيل على تشكيل تكتل اقتصادي سمي باسم بريك BRIC وهو اختصار للأحرف الأولى من أسماء الدول الأربع هذه، وفي عام 2011 انضمت جنوب إفريقيا لهذا التكتل فأصبح بريكس BRICS، وكانت الرؤية المشتركة لهذه الدول هي إنشاء عالم ثنائي القطبية لا يمكن للتكتل الغربي فيه السيطرة على أسواق الدول النامية وزيادة التعاملات الاقتصادية فيما بينها بالعملات المحلية، ما يقلل الاعتماد على الدولار الذي تستخدمه أمريكا كسلاح سياسي، وهنا كانت نواة تشكل عالم ثنائي القطبية لا يمكن احتكار الصناعة فيه ولا استخدام الاقتصاد كسلاح للضغط على الدول الأخرى، وبدأت بالفعل هذه المجموعة تكبر وتزيد من قوتها كاقتصاد، وكذلك تقديم نفسها كبديل للتكتلات السياسية والاقتصادية في العالم من خلال تقليل دور الدولار في التعاملات المالية.
يمكن القول إنّ مجموعة «بريكس» أصبحت منافساً شرساً لمجموعة السبع التي تضم الدول الصناعية المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا.
أما بلغة الأرقام فإنّ مساهمة «بريكس» في الاقتصاد العالمي بلغت 31.5 % في حين بلغت مساهمة مجموعة السبع 30.7% من الاقتصاد العالمي وهي أول مرة تتغلب «بريكس» على السبع، وهذا يعدّ بداية انهيار الدولار والهيمنة الأمريكية على العالم وظهور تحالف ونفوذ عالمي جديد يعطي ضماناً للاقتصاد العالمي.

لن يكون بإمكان أميركا التلاعب بالاستقرار الاقتصادي لدول «بريكس» لأنها أصلاً لا تعتمد على الدولار

وبالتالي هي تطور إمكاناتها واستثماراتها بعيداً عن أي تهديد اقتصادي

وهذا التغلب ربما يؤكد أن دول «بريكس» هي أكثر تطوراً من السبع الصناعية وهذا يُدخلنا في عدة جوانب أهمها:
أولاً: أن هذه الدول «بريكس» تُطور من إمكاناتها الصناعية والتجارية والاستثمارية بعيداً عن أي تهديد اقتصادي ربما يُشكل بلغة الاستثمار بيئة غير صالحة لإنجاح المشاريع وبالتالي هذا ضمان كبير للاقتصاديين في جلب استثماراتهم لهذه الدول.
ثانياً: تعتمد «بريكس» التقليل من الاعتماد على الدولار وهذا يزيد من إمكانات الدول ورفد خزينتها بعملات أكثر ثباتاً من الدولار والتقليل من اعتمادها على العملة الأمريكية التي تعد معياراً للنقد العالمي.

ثالثاً: لا يمكن لأمريكا وأطماعها الخبيثة التلاعب في الاستقرار الاقتصادي لهذه الدول لأنها أصلاً لا تعتمد على الدولار الذي تستخدمه أمريكا كسلاح بشكل أساسي، ويقول الكاتب الأمريكي كيوساكي وهو مؤلف كتاب «الأب الغني والأب الفقير»: «لقد دمرت الولايات المتحدة نفسها في السنوات القليلة الماضية أكثر مما كان يمكن لأي عدو خارجي فعله لأننا نستخدم مصدر قوتنا كسلاح، وهو الدولار الأمريكي، وقد دفعنا معظم العالم بعيداً عنه نتيجة لذلك» وهذا بدا واضحاً بعد العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا عندما حاول الحلف الغربي ضرب الاقتصاد الروسي من خلال العقوبات وهو لم يتأثر بها لأنه لا يعتمد على الدولار بشكل أساسي في المعاملات المالية.
تعد الصين والهند العمود الفقري لمجموعة بريكس وهذا يوصلنا لنتيجة أخرى هي أن البيئة الآسيوية المنتجة بدأت تأخذ دورها العالمي من الاقتصاد بكل أشكاله وبالتالي موقع مجموعة البريكس هو خصب للاستثمار ولهذا نجد أن دولاً كبيرة تقدمت بطلب للانضمام إلى هذه المجموعة مثل إيران والجزائر والأرجنتين ومصر والسعودية، وهذه الدول تضيف قوة سياسية واقتصادية كبيرة لهذه المجموعة التي يمكن القول إنّ العرب جزء مهم منها وخاصة مع وجود دول عربية لها قوة اقتصادية كبيرة تقدمت بطلب للانضمام لـ «بريكس» مثل الجزائر والسعودية كما أسلفنا.
يُعدّ تشكل البريكس تحولاً في النظام العالمي من أحادي قطبية يتسم بالهيمنة على مقدرات الشعوب إلى فرصة لتحقيق التقدم الاقتصادي من دون أي معوقات خارجية ضمن تشاركية وتعاون مثمر مبني على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهذا يؤكد أن هذه المجموعة ستكون أكثر نجاحاً من كل التكتلات الاقتصادية والسياسية في العالم خصوصاً أن هذا العالم يتغير بسرعة كبيرة، والمنطقة العربية يجب أن تكون جزءاً فعّالاً منه عن طريق هذا التكتل.
تحاول الولايات المتحدة الأمريكية كبح جماح «بريكس» وكلّ الدول التي تسعى للاستغناء بشكل أو بآخر عن الهيمنة الدولارية في الاقتصاد، ولكن هذه المحاولات البائسة ستُتوج بالفشل الذريع كما تُوجت سابقاتها لأن العالم اليوم يتطلع لنظام عالمي جديد بعيد عن الاستغلال وفرض الهيمنة، ولأن السياسة مرتبطة بالاقتصاد ارتباطاً وثيقاً فهذا التكتل الكبير سيغير من تعاطي المجتمع الدولي مع قضايا الشعوب الطامحة في عالم متعدد الأقطاب، ولكن هل سيكون هناك بريكس عسكري بالتوازي مع الاقتصادي.. أم إن للأعضاء في هذه المجموعة رأياً آخر؟.. يتساءل مراقبون.

اقرأ أيضاً: 

ملف «تشرين».. كيف نعيد التموضع.. ماذا نحتاج لإقامة تكتل اقتصادي عربي ينافس ويزاحم ويتسيّد؟.. -الرئيس الأسد في كلمته أمام قمة جدة يجمل الإجابة في: العروبة كانتماء.. توحيد السياسات.. الأمن الجماعي.. الإدراك الحقيقي لقوتنا الاقتصادية..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار