الصندوق الوطني لدعم متضرري الزلزال… تأسيس لبلورة آلية عمل مالي إغاثي مثلى.. مرونة وتنظيم وتدقيق ومراجعة.. بأطر قانونية ومعايير واضحة

تشرين- مها سلطان:
لكل عمل أو خطة أو مشروع أو توجه.. أياً تكن التسمية، لا بدّ من إطار ناظم ينسق ويحدد ويُوصّف ويُوجه بما يضمن وضوح مسار العمل، وفي أي اتجاهات يجب أن تتركز الجهود لتحقيق الأهداف الموضوعة، وعندما تكون المسألة متعلقة بكارثة من حجم الزلزال الذي أصاب السوريين في السادس من شباط الماضي فهذا يعني الكثير من العمل والجهد، ويعني أن يكون المسار واضح تماماً بكل تفاصيله، والدولة السورية منذ لحظة وقوع الكارثة كانت حريصة على الأمرين معاً، العمل ووضوح مساراته واتجاهاته بدءاً من الاستجابة الفورية الإنسانية والإغاثية وصولاً إلى خطة العمل الوطنية، ثم المرسوم التشريعي / رقم 7/  الذي أصدره الرئيس بشار الأسد يوم أمس (الأول من أيار من العام الجاري 2023) ليكون خريطة طريق تشريعية تنفيذية لتنظيم وإدارة الدعم المالي المقدم للمتضررين من الزلزال لمساعدتهم على تجاوز الضرر الجسدي والمادي والمعنوي اللاحق بهم، بهدف أن يستعيدوا حياتهم الطبيعية، وعودتهم إلى بوتقة النشاط والإنتاج التي كانوا ضمنها قبل الكارثة.

عندما يكون الهدف التعامل مع تداعيات كارثة بحجم زلزال 6 شباط فهذا يعني الكثير من العمل والجهد ويعني أن يكون المسار واضحاً بكل تفاصيله، والدولة السورية تعمل على الأمرين معاً

لا شك في أن الكثير من العمل والجهد والأيدي الخيّرة وقفت وراء هذا المرسوم، ليخرج متكاملاً شاملاً وليكون له الدور الأهم والأكثر تأثيراً وفاعلية في إطار تنفيذ خطة العمل الوطنية الموضوعة لدعم المتضررين، خصوصاً أنه ركز على المسؤولية الجمعية والتعاون والتكاتف لتجاوز تداعيات الزلزال بمستوييها الرئيسيين: الدولة والمواطن، فالكارثة أصابتهما معاً وكلاهما لا بد أن يتوحدا في المسؤولية والعمل والجهد، وإن كان مسؤولية الدولة/الحكومة أهم وأكبر لامتلاكها الأدوات والمقدرات والمؤسسات، ولكونها الطرف المسؤول والراعي الذي يجب أن ينطلق أولاً، وباتجاهين: العمل والتنظيم والتشريع والقوننة، ثم الاتجاه نحو المواطن لتوحيد العمل والجهد معه، بما يجعله مشاركاً في جوانب وشريكاً في جوانب أخرى، فاعلاً ومؤثراً في عملية التعافي.

رغم أن الكارثة كانت بمستويين الدولة والمواطن، إلّا أن العمل لا بد أن ينطلق حكومياً أولاً لأن الحكومة تمتلك الأدوات والمقدرات والمؤسسات ولكونها الطرف الراعي والمسؤول

الآن.. لماذا يتفرد هذا المرسوم (والصندوق المحدث) بالكثير من الخصوصية في الأهمية والدور والتأثير؟
1- لأن المرسوم حصّن الصندوق وعمله بالاستقلالية (مالياً وعملياً) لضمان نجاح وكفاءة العمل الميداني على الأرض المتعلق بدعم متضرري الزلزال.
2- لأن المرسوم يعطي للصندوق المُحدث الصلاحيات اللازمة والمطلوبة في إدارة الدعم المالي والجمع والصرف والتعامل مع الأضرار وشرائح المتضررين والقطاعات المتضررة.
3- لأن المرسوم يعطي الأولوية للمواطنين المتضررين، ويجعلهم في مرتبة متقدمة لناحية الدعم والمساعدة (وذلك قبل القطاعات الحكومية التي أصابتها الكارثة) حيث إن الصندوق المُحدث يكاد يختص فقط بتقديم الدعم لهم.
4- لأن المرسوم يعطي الصندوق المحدث مرونة وديناميكية عالية لتنفيذ التوجهات، والأهم مسألة إدارة وتوجيه الدعم المالي من مرحلة استلام التمويلات والتحويلات والتبرعات والهبات والمنح، الداخلية والخارحية، أي الوطنية، والعربية، والأجنبية، إلى مرحلة الصرف والتقدير والتوزيع وفق الجداول والاستبيانات الموضوعة مبدئياً، ثم التي ستستكمل لاحقاً، فيما يخص شرائح المتضررين والقطاعات المتضررة، لإقرار شكل وحجم الدعم المالي واتجاهات الصرف والتمويل.
5- لأن المرسوم جاء متضمناً لأهم الامتيازات وعلى رأسها الإعفاءات من الضرائب والرسوم وبما يشجع المساهمين والممولين والمتبرعين (في الداخل) على السخاء في الدعم والتمويل، ويستقطب المزيد منهم، هذا عدا عن بند «تخفيض ضريبي» قدرة 10% يستفيد منه المتبرع للصندوق المُحدث لسنتين متتاليتين لسنة تبرعه إذا كان المبلغ المتبرع به 20% من الدخل الخاضع للضريبة على ألّا يقل عن 500 مليون ليرة سورية.
6- لأن المرسوم يضع جدولاً زمنياً واضحاً ومعلوماً مدته 3 سنوات من المفترض أن يُنجز الصندوق المُحدث مهامه كاملة، وصولاً إلى الهدف النهائي وهو الوصول إلى مرحلة التعافي.
7- لأن المرسوم يرسخ عملية الشراكة والتعاون المؤسساتي والتكافل المجتمعي عبر تحديد المسؤوليات والواجبات سواء على خط الحكومة – المواطن، أو على خط الحكومة والمجتمع الأهلى، أو على خط المواطنين أنفسهم لناحية التعاضد والتكاتف والمساندة بين بعضهم البعض سواء بين المتضررين أنفسهم، أو بينهم وبين الآخرين من غير المتضررين خصوصاً على مستوى القادرين على تقديم التمويلات والتبرعات.
8- لأن المرسوم لا يلزم أي أحد أو جهة أو هيئة أو منظمة بأن يكون التمويل الذي يقدمه لمساعدة المتضررين هو عن طريق الصندوق المُحدث حصراً. يستطيع هؤلاء الاستمرار في تقديم التمويل والهبات والتبرعات وأي شكل آخر من الدعم المالي بصورة منفصلة عن الصندوق إذا ما كانوا يريدون ذلك.. مع التوضيح أن هذا ينطبق فقط على الداخل، أما بالنسبة للخارج كدول ومنظمات ومؤسسات فإن التمويلات والدعم المالي يتم حصراً عن طريق الصندوق.
9- لأن المرسوم ينظم عملية قبول المنح والإعانات والهبات والوصايا والتبرعات والمساهمات المالية وفق القوانين والأنظمة النافذة، بما يضمن تحصين هذه العملية وحمايتها من مخاطر الوقوع في الفوضى، لأن من شأن ذلك خلق حالة من اللاثقة وبما يؤثر على مسار التمويلات، وعلى الممولين أنفسهم.
10- أخيراً وليس آخراً، لأن المرسوم يضع العمل المالي الإغاثي على السكة الصحيحة، بما يسرع مساراته على الأرض أولاً، وينهي الانحرافات التي تحدث في بعض الأحيان ثانياً، ويضع حداً للاستعراضات التطوعية من قبل البعض ثالثاً، والأهم – رابعاً – أنه يضمن بيئة آمنة، أو لنقل جهة/ مكاناً واحداً (آمناً) معروفاً تصب فيه جميع الأموال ضمن أطر قانونية ومعايير واضحة (شهادات إيداع ممنوحة من الصندوق على سبيل المثال) هذا عدا عن عمليات التدقيق والمراجعة التي تخضع لها الأموال الواردة للصندوق الذي من ضمن صلاحياته أيضاً الاستعانة بخبراء ومختصين وممثلين عن المنظمات غير الحكومية والفعاليات الاقتصادية وذلك لضمان أوسع مساحة أمان وشفافية، ولتسريع عملية الدعم على الأرض وإنجازها في أسرع وقت، أو ضمن الجدول الزمني المحدد بثلاث سنوات.

 

اقرأ أيضاً:

الصندوق الوطني لدعم المتضررين من الزلزال… ومتخصصون يستشرفون غايات إنسانية نبيلة وسياق قانوني منظم لمواجهة تداعيات الكارثة

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار