الله يحن عليك!!
أكثر ما يلفتني في أداء الشخصية، هي حالة “الكاركتر”، التي يتلبسها الفنان، من حركات معينة سيكون حريصاً على تكرارها بما يُشبه التحدي على مدى ثلاثين حلقة، وهناك من الفنانين من يعتمد على “اللازمة” التي تُميز الشخصية ولاسيما في حواراته مع الشخصيات الأخرى في المسلسل..
ونادراً ما يمر موسم درامي، لا تلفت شخصية درامية بـ”لازمتها” الفارقة التي غالباً ما تُمسي تقليداً لدى الكثير من المتابعين يرددونها في أحاديثهم اليومية.. وإذا ما عُدنا بحركة (خطف خلفاً)، ستحضر إلى مسرح الذاكرة عشرات (اللازمات)، التي كانت علامة فارقة في أداء الكثير من الممثلين، من “وإذ” لعبد الفتّاح مزين في أحد مسلسلاته القديمة، إلى عند “يقول نيتشه” لتيم حسن، في مسلسل (الزند – ذئب العاصي) أشهر مسلسلات الموسم الحالي..
وفي هذه الزاوية، سأقف عند (لازمة) “الله يحن عليك” التي ترددها الفنانة كاريس بشّار في شخصية (مريم) المرأة السورية النازحة إلى لبنان، في مسلسل (النار بالنار) – محمد عبد العزيز ورامي كوسا – “مريم” التي خُطف زوجها على يد تنظيم إرهابي، ومن ثمّ قُتل، فتتعرض لمختلف ظروف شظف العيش، وكل مساوئ الدنيا، بمعنى أنّ تردادها لـ(اللازمة)، لم يأتِ من فراغ، فهي مثل مئات السوريين الذين نكبوا في هذه الحرب الطويلة على سورية، ومن ثم من نتائج هذه الحرب من حصار، وغلاء فاحش التي ماتزال تُعادل أضعاف ما خربتهُ الحرب من ضحايا ومفقودين، ومخطوفين، ودمار على مختلف المستويات والصعد.. فهذه المرأة وككل السوريين، تحتاج إلى شيءٍ من”الحنية”، سواء داخل الوطن، أو في بلاد الاغتراب، شيءٌ من الحنان يُعيد للروح دفأها، وتوهجها، ومن ثمَّ فإنَّ عبارة “الله يحن عليك”، هي التمني الداخلي المُشتهى لروحها الضائعة في هذه الأزقة الموحشة وغير الآمنة.. “الله يحن عليك”، التي تكررها مع كل فعل جميل يُقدّم إليها مهما بدا ضحلاً وبسيطاً، تقولها (مريم) دون استعراض، أو مبالغة، تقولها تماماً كصلاة ورجاء.. وتقولها مع كل (لوازمها) الأخرى من حركات تعبيرية – من وجهة نظري أبدعت كاريس بشّار في أدائها – ولا سيما في مشيتها، وترقبها وحذرها، وفي لباسها، وحتى في خوفها على كل سوري تلتقي فيه في أماكن تشردها..
فبقدمين كلُّ واحدةٍ تتجه للأخرى، ويدين ترتفعان لمنتصف الجسد خلال المشي، وظهر محنٍ قليلاً، ولباس واحد لم يتغير، ونقلات أشبه بمن يمشي في حقل ألغام، وعيون مفعمة بالحزن، ووجه مملوء بالخوف، نادراً ما يعرف الابتسام.. تلك ملامح (مريم) التي تمنح الآخرين هذه الـ(الله يحن عليك)، كنوع من حبل سلام تمدّه مع الآخرين..
وهنا من المُفيد الإشارة إلى أكثر من لازمة كانت لصيقة ببعض شخصيات مسلسل (النار بالنار)، على شاكلة (خالوه)، التي يرددها (بارود – تيم عزيز)، أما الفنان جمال العلي، فقد دخل في “كاركتر” خاص منذ زمن طويل، ولم يعد باستطاعته الخروج منه يكرره في كلِّ مسلسل، تماماً كياسين بقوش معاصر..
هامش:
أصابعي
تشهقُ إليكِ،
تناديكِ؛
انهضي لقلبي
دفعةَ واحدة،
فأول الدنيا
غداً
حين ألقاكِ.