مبادرة في مكانها
أكثر ما يحزُّ في نفس المبدع، وأياً كان نوع الإبداع الذي يخوض فيه، أن يمرَّ إبداعه، وتمضي أيام العمر، من دون أن يقولَ له أحدٌ :”شكراً”، لقد كنتَ جميلاً ومبدعاً طول الوقت..
أحياناً، وهي أحيان نادرة للأسف، يتم الانتباه إليه، ويُقدّم له التكريم، وأحياناً غالبة، لا ينتبه إليه أحد، إلّا بعد أن يكون قد أدار وجهه عن هذه الدنيا، وأمسى في عالمٍ قصيٍّ وبعيد، وأحياناً كثيرة أيضاً قد يمضي من دون أن ينتبه إليه أحد، في حياته، ولا في عالمه القصي في الآخرة.. مع يقيني أن كلَّ مبدعٍ يستحقُ التكريم في حياته، كلّ مبدعٍ ومن دون أي انتقائية..
مناسبة الحديث عن تكريم المبدعين؛ هي مبادرة وزارة التربية مؤخراً في إطلاق أسماء بعض الفنانين التشكيليين على مراكز فنية تربوية في دمشق، وهي وإن جاءت متأخرة، باعتبار أن الفنانين المكرَّمين بإطلاق أسمائهم على تلك المراكز، هم من الفنانين الراحلين، لكن مع ذلك هي مبادرة في مكانها، وهنا لا بأس أن نذكر هذه المراكز بأسمائها الجديدة، كنوعٍ من التكريم أيضاً نقدمه لهؤلاء بذكرهم الجميل..
فقد تمَّت تسمية المركز التربوي للفنون التشكيلية بمنطقة ركن الدين باسم الفنان عمر حمدي – مالفا (1951- 2015)، وتمَّت تسمية المركز التربوي للفنون التشكيلية بالمزة باسم الفنان نذير إسماعيل (1948- 2016)، وتمَّت تسمية المركز التربوي للفنون التشكيلية بمنطقة المهاجرين باسم الفنان مروان قصاب باشي (1934- 2016)، وتسمية المركز التربوي للفنون التشكيلية في القصاع باسم الفنان وليد قارصلي (1944- 2006)، وتسمية المركز التربوي للفنون التشكيلية في منطقة المجتهد باسم الفنان حيدر يازجي (1946- 2014)، وتسمية مركز بسام بكورة للفنون التشكيلية باسم الفنان عفيف بهنسي (١٩٢٨- 2016)، وتسمية المركز التربوي للفنون التشكيلية في كفرسوسة باسم الفنان محمد الوهيبي (1947- ٢٠١٥)، وأخيرأً تسمية المركز التربوي للفنون التشكيلية في برزة البلد باسم الفنانة سوسن جلال (1955- 2021)..
واللافت في أسماء الراحلين، أمران: الأول اقتصار النساء، على امرأة واحدة فقط، هي الفنانة سوسن جلال، كما أن معظم الراحلين من الذين توفوا مؤخراً خلال سنوات الحرب على سورية، ربما باستثناء الفنان وليد قارصلي فقط.. بمعنى تمّ التركيز على فنانين انتبهوا إليهم بعد وفاتهم مباشرةً، فيما تمّ تجاهل عشرات الفنانين الآخرين ولاسيما الأحياء منهم.. والأمر اللافت الثالث: هو كثرة المراكز التربوية التشكيلية، وكل ما أشرنا إليه هو في دمشق وحدها.. والسؤال الموجع: لماذا بقيت رغم كل ذلك هذه الأمية البصرية تسود وتتوسّع في مدارسنا، مع الإشارة إلى أن من يُدرِّسون مادة الرسم في المدارس هم خريجو المعاهد من دون أدنى اعتبار لخريجي كلية الفنون الجميلة التي تأسست في ستينيات القرن الماضي.. وعلى سبيل التشكيل هذا
الهامش:
…………
قبليني
لتبقى غزالات المجاز
ترعى في حقول البياض..
قبليني
لتستمر الوعول
في “عربشتها” على تلال البلاغة..
قبليني
حتى تتفتح براعم الكنايات،
ويُورق بالندى جوري الاستعارات..
قبليني دائماً
حتى تكتمل القصيدة
بخواتيم الدهشة، والنهايات المفتوحة
على الاحتمالات الثمر..