الشعرُ العربيُّ.. إعادةُ تموضعٍ
تشرين هدى قدور:
مواجهات صعبة يخوضها الشعر العربي أمام فنون مدجّجة بالسلاح والدعم، فعلى عكس الفروع الإبداعية، تسبب العصر الإلكتروني بكارثة على الشعر الذي يعاني أصلاً صعوبات واختناقات تاريخية جعلته الأكثر خسارة نتيجة غياب النقد وطغيان الاستسهال وما يسمونه أساليب جديدة في الكتابة، وللأسف فقد انتهى زمن المعلقات وحضر زمن البوستات المختصرة التي لا تحمل أي معنى إبداعي يجلب الدهشة كما يفترض بالقصيدة أن تفعل.
وعبر إحصائية بسيطة في صفحات «الفيس بوك»، نجد أن الشعراء هم الأكثر انتشاراً وعدداً، لكننا لا نعثر سوى على النادر من الشعر!. في حين لو قارنا هذا الفن الذي يسمونه ديوان العرب بالفنون البصرية أو المسرحية والسينمائية والدراما والموسيقا، فإننا سنكتشف حجم الضرر الكبير الذي لحق بالقصيدة التي لم تستطع الاستفادة بالقدر نفسه من التطور التقني.
يقول بعض النقاد إن الشعر بحاجة إلى إعادة تموضع ورسم استراتيجيات جديدة، لكن هذه الدعوة ليست بالأمر السهل، فليس هناك ناطقون رسميون باسم الشعر، ومن غير الممكن إصدار قرارات تحافظ على مستوى الكتابة وتحميها من التدهور بسبب افتقاد الشعر للمنابر النخبوية وللنقاد المحترفين والنزيهين الذين يتعاملون مع النص بغض النظر عن صاحبه. فالتكنولوجيا اخترقت الشعر، وغيرت كل القواعد النقدية، ولأن الشعر بات من أضعف الفنون نتيجة عوامل تاريخية وإبداعية كثيرة، فإن المهتمين بما آل إليه هذا الفن قليلون جداً، حتى إذا تكلموا، فإن أصواتهم لا تعدو كونها صرخة في واد.
لم يعد في الإمكان ولادة شعراء نجوم مثلما كان يحصل في السابق، فازدحام الهشاشة غطى المشهد، حتى الشعراء أصحاب التجارب المختلفة والجادة، ضاعوا بين الصفحات والمنابر والتسويق الفارغ لضعاف المواهب وإغداق الألقاب على من لا تحمل نصوصهم أي ملمح إبداعي، فالشعر إضافة إلى أزماته الإبداعية، فهو لم يطور أدواته في هذه المواجهة، ولم يتمكن الشعراء من تأسيس مجلس عربي للشعر مثلاً، أو إصدار مجلة إبداعية ونقدية تحمي هذا الفن مما يتعرض له. لقد ساعدت الصورة وتقنيات الفيديو بقية الفنون بشكل كبير، لكنها أضرت بالشعر أكثر مما أفادته، لأن الشعر فن فردي يعاني ما يعانيه المشتغلون بفنون الكتابة من ضيق مقارنة بفنون أخرى مهتمة بالصورة والفيديو والخبر المثير، وإن أكثر ما يلفت المتابع هو انكفاء الشعراء المجيدين عن صفحات التواصل الاجتماعي، أو حصولهم على عدد قليل من المتابعين، وانتشار أعداد كبيرة من الشعراء الجدد مع نصوص إلكترونية ورؤى محدودة لا تستحق أن تسمى شعراً.
البعض يقول إن زمن الشعر قد انتهى، وآخرون يرون أن هذا الفن هو الأب الشرعيّ للفنون بالنسبة للعرب، ولا يمكن له أن ينتهي من ذاكرتهم، بل ربما يتعرض لكبوات وعثرات تطول أو تقصر، لكن حتى الآن، فإن ما تؤكده المنشورات الشعرية يقول إن كارثة تحل بالشعر لا أحد يمكن أن يوصفها بشكل دقيق، ومن الصعب وضع برنامج لمواجهتها.