هل تصبح جزءاً حيوياً من أنظمة التنبؤ لدى المختصين بعلم الزلازل؟ النمذجة والمحاكاة علوم تقانية واعدة لاستباق الكوارث
تشرين – رشا عيسى:
مع مرور أكثر من شهر ونصف الشهر على الزلزال الكارثة، يدفع الخبراء في اتجاه تعزيز الاعتماد على النمذجة والمحاكاة كعلم قائم في حدِّ ذاته، وأثبت فعاليته في الوصول إلى الأهداف المطلوبة في الكثير من المجالات، وفي الكثير من البلدان، ولكن ما أهمية هذا العلم بالنسبة للزلازل؟، وهل يمكن استباق الكارثة باستخدام النمذجة والمحاكاة؟!، وهل يمكن أن تصبح هذه التقنيات الحديثة جزءاً حيوياً من أنظمة التنبؤ لدى المختصين بعلم الزلازل؟.
تصنف كأهم التقانات الحديثة التي يتم الاعتماد عليها لتحليل سلوك الظواهر المعقدة
الدكتور محمد خير عبد الله محمد-المشرف العلمي على نادي النمذجة والمحاكاة في الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية يجيب عن هذه الأسئلة وغيرها في حديث خاص لـ(تشرين) ويشرح أهمية النمذجة والمحاكاة لكونها تصنف أهم التقانات الحديثة التي يتم الاعتماد عليها لتحليل سلوك الظواهر المعقدة، لأنها تستطيع أن توجد واقعاً حاسوبياً افتراضياً بمساعدة الرياضيات التطبيقية ليتم بعدها اختبار عدد غير محدود من السيناريوهات التي لا يمكن تطبيقها واقعياً نظراً لارتفاع التكاليف والخسائر الكبيرة التي قد تترتب عند تطبيق كل تجربة.
إيجاد واقع افتراضي
يعدّ موضوع الزلازل من المواضيع المعقدة التي لا يزال العلم قاصراً عن وضع صورة تحليلية شاملة لها نتيجة صعوبة التنبؤ الدقيق بزمان ومكان وشدة الزلزال، وهذا يرجع بالدرجة الأولى إلى القصور في التجهيزات وأدوات القياس وضعف قدرتها على التعامل مع مساحات شاسعة وأعماق سحيقة ضمن جوف الأرض، من هنا يمكن اللجوء إلى النمذجة والمحاكاة لخلق واقع افتراضي يحاكي تأثير الزلزال واختبار ما يمكن اختباره، ولاسيما الأبنية السكنية والمحطات الكهربائية لتقدير مدى قدرتها على تحمل الاهتزازات الناجمة عن الزلزال.
استباق الكارثة
ون إمكانية استباق الكارثة باستخدام النمذجة والمحاكاة، يوضح محمد إن كان المقصود زمان ومكان وشدة الزلزال, فهذا حالياً شبه مستحيل لأن النمذجة تحتاج أكبر قدر ممكن من البيانات الدقيقة الخاصة بالزلزال وهو غير متاح حالياً لقصور قدرة أدوات القياس في هذا المجال كما تمت الإشارة أعلاه، لكن يمكن اختبار تأثير شدات مختلفة من الزلازل على أنماط وتصاميم مختلفة من الأبنية وتحليل مخرجات المحاكاة لتحديد الحل الأمثل .
إنشاء نادي النمذجة والمحاكاة في الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية
ويقول محمد: كنت قد قدمت محاضرة علمية الأسبوع الماضي في مبنى الجمعية المعلوماتية بالتعاون مع نقابة المهندسين شرحت فيها كيفية تصميمي لنموذج محاكاة حاسوبي لاستجابة البناء للاهتزازات الأرضية، حيث عرضت الأساس الرياضي للموجة الزلزالية وديناميكة البناء والعلاقة التفاعلية بينهما ثم قمت بحل النموذج الرياضي لهما باستخدام الطرق العددية بمساعدة الحاسب وقمت بتحليل كمٍّ كبير من السيناريوهات التي أعطت تفسيرات مهمة لما يمكن أن يحدث في البناء عند حصول زلزال ودور كل بارا متر فيه في طريقة استجابته. كما صممت خوارزمية تحسين optimization ضمن النموذج تقترح مختلف الحلول الممكنة لجعل استجابة البناء ضمن الحدود الآمنة.
الأهمية القصوى
ولكن هل تصبح هذه التقانات جزءاً حيوياً من أنظمة التنبؤ لدى المختصين بعلم الزلازل؟ يجيب محمد بأنها هي كذلك فعلياً في البلدان المتقدمة في هذا الشأن مثل اليابان وتايوان والولايات المتحدة الأميركية، ويضيف:
ما دمنا في عين العاصفة فلا بدّ من أن نولي هذا المجال أهمية قصوى, حيث تتطلب النمذجة والمحاكاة إتقاناً لعلوم الرياضيات التطبيقية وهي مجالات متقدمة جداً تغيب بشكل شبه كامل عن مناهجنا في مختلف المراحل التعليمية، لذلك فتأهيل كوادر متمكنة في هذا المجال هو موضوع بأهمية وخطورة كارثة الزلزال ويحتاج جهداً كبيراً وتسخير كل الموارد وإعطاء كل التسهيلات لإنجازه.
ويوضح محمد أنه نظراً لأهمية علوم النمذجة والمحاكاة تم إنشاء نادي النمذجة والمحاكاة في الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية وهو يسعى لتعميم هذه التقانات الحديثة ضمن الفئات العمرية الصغيرة بالدرجة الأولى لتمكينها من إتقانها والتصدي لمشكلات واقعية معقدة مع تقدم سنهم ومهاراتهم. ويضع النادي خبرته في تصرف أي عمل مخلص وجاد لمواجهة مشكلة الزلازل كما يؤكد محمد.
التعامل بحزم ومسؤولية
يرى محمد أن التعامل مع كارثة الزلزال يجب أن يكون بكثير من المسؤولية والجدية والحزم، ونحن بأمس الحاجة لتفعيل القانون في هذا المجال وبرقابة صارمة على كل عمليات التشييد من دون أي استهتار أو أدنى شبهة فساد!، كما نحن أيضاً بأمس الحاجة لتضافر الخبرات الهندسية في شتى المجالات لتطوير الكود المعماري السوري بما يتلاءم مع التحديات التي فرضتها كارثة الزلزال، وهنا سيكون للنمذجة والمحاكاة الحاسوبية الدور الأبرز في الوصول إلى الأهداف المطلوبة.