شعر
هو «ليس ذلك النص الطويل؛ هو ذلك السطر المدهش في النهاية!» على ما يرى الشاعر أحمد جمعة، بينما الأديب أسعد الجبوري، ففي تقديره أنّه «لن تصبح خاصرةُ الشِعرِ رخوةً، إلا بوجود مصباحٍ نائمٍ أو محترقٍ داخل المخيّلة.».
ربما وحده، من بين الأنواع الأدبية، خُصص له يومٌ يُحتفلُ به، من كلِّ سنة، وهو الـ(21) من آذار.. ربما وحده النوع الأدبي الذي كاد يجعل من الأجناس الإبداعية كلها بما فيها الفنون البصرية تُقارب القصيدة.. واليوم لا معنى لقصة قصيرة إن لم تمش على حواف الشعر، ولا معنى ولا لون لرواية تبتعد عن مناخات الشعر، وتُبتذل لتصير خشبية البلاغة، وهكذا الفيلم السينمائي، واللوحة التشكيلية، وحتى الدراما التلفزيونية إن لم تتشح جميعها بمناخات الشعر والقصيدة.. فكلُّ إبداعٍ ليس له نصيبٌ من الشعر لا يُعوّلُ عليه.
الكثير من الأنواع الإبداعية، وفي مسيرة حياتها، كانت تصلُ إلى مرافئها الأخيرة، وأحياناً كانت تنقرض.. وحده الشعر الذي بدأت بلغته الملاحم العظيمة بقي بحاراً، ولا مرافئ أخيرة لإبحاره، وهو كان كلما وصل إلى «تقليدية» تُنذرُ بملامح النهاية؛ كان سرعان ما يجد لقصيدته شكلاً ومحتوى جديدين ليُجدّفَ بهما في قاربٍ جديدٍ ومختلف.. ولا يغرنك الحديثُ عن «ازدهار» جنس إبداعي، حتى تظنه طغى على كل ما حوله، فبعد إن يهدأ غبار الجعجعة النقدية، يعودُ الشعر، بكلّ بهائه ليعتلي سلم الإبداع من جديد، ومن ثم لتبقى القصيدة صاحبة الجلالة.
في الشعر وعنه قالوا الكثير، فـ«قد يكون الشعر بالنسبة للإنسان السعيد ترفاً ذهنياً محضاً؛ غيرَ أنه بالنسبة للمحزون وسيلة حياة!» على ما ترى نازك الملائكة، بينما محمد الماغوط لا يملُّ من الترديد: «أحاولُ أن أكون شاعراً في القصيدة وخارجها، لأنَّ الشعر موقفٌ من الحياة، وإحساسٌ ينسابُ في سلوكنا.».
وإذا ما فتحنا النافذة على عوالم أوسع، فهذا (رنيه شار) يؤكد أن« الالهةُ تقيمُ في الاستعارة .»، وأنّ «الشعرَ، مُختطفٌ بالانفصام المباغت، وتتضاعفُ حدّتُه في الماوراء الذي لا وصيّةَ عليه.».. أما (دي بوشيه) ففي رأيه:« الشعرُ هو رفض الحياة بالأقساط، والقبول بها دفعةً واحدة ».. بينما «لا شيء يستحق أن يقال في الشعر، إلا ما لا يُمكنُ قوله، ولهذا نُعوًلُ فيه كثيرأ على ما يحدث بين السطور.. » يرى (ريفيردي)، وهذا (بودلير) يؤكد أن «الشعر، حيث نهبط إلى ذاتنا ، نُسائلُ أرواحنا ونذكّرُ ذكرياتنا بشغفها، ولا هدفّ آخر له إلا ذاته ..».. وأخيراً الشعرُ هو:«عندما يقرر الصمتُ، أن يأخذ الكلمة.»، نختم مع (ديهامل).
هامش:
………..
لاتزالُ
عصافيرُ شوقي
تطيرُ إليكِ،
ومازلتِ
تُمارسين الغوايةَ ذاتها؛
كماءٍ
مرةً «بلون الغرق»؛
وحيناً برائحة العطش؛
و.. طوراً باشتهاء السباحة.