نختلف من أجلِ مسلسل!
يَستبق مُتابعو الدراما موسم العرض، فيُثنون على بوسترات وعناوين وبروموهات ترويجية للمسلسلات، ويُنافي بعضهم المنطق فينتقد ويشتم قبل أن يُشاهد، بانياً أحكامه على رصيده من معارف وانتماءات، كأنّ العمل يستهدفه شخصياً، وعلى هذا يبدو أن شهر العرض سيشهد كما العام الماضي، وربما أكثر، إشكالياتٍ جوهرها النصوص، إلى جانب ادعاءات فنانين بأنّ أدواراً قدّمها زملاؤهم، كانت عُرِضت عليهم ورفضوها، وفي السياق ذاته تصريحاتٌ لاذعة وإساءات واتهامات تتعدد أسبابها، ومن يدري ما الذي يُمكن أن يذهب إليه الأمر في عالم «التريند»، إذا ما كان البعض جاهزاً للهجوم وإطلاق الأحكام منذ الآن.
نختلف من أجل مسلسل، ونجعل من نظّارة فنانة وجاكيت آخر قضية تتناقلها صفحات السوشيل ميديا، وإذا ما كانت حياة أحدهم الشخصية خبراً، فالجميع جاهزٌ لإبداء الرأي، لكن نادراً ما يكون ديوان شعرٍ أو مجموعةٌ قصصية، موضع اهتمامٍ وأخذٍ ورد، رغم أن الكتّاب يتبعون كل ما أمكن ترويجاً لمُنتَجهم، بل إنّ بعضهم يُفني حياته في البحث والترجمة والتأليف، ثم لا يجد من يُناقشه فيما أعطى، ولا نُبالغ لو قلنا إنّ كتبهم ومُؤلفاتهم تُنسى، إن لم يلتفت إليها باحثٌ أو صحفيٌّ أو مهتم، يُعيدها إلى واجهة الاهتمام ويُعرّف الناس بها من جديد، وهو ما يحصل عادةً عند وفاة مُبدعٍ ما، وفي أحسن الأحوال عند إجراء حوارٍ معه، في حال كان المُحاوِر مُطلِعاً كما يجب على رصيد ضيفه.
لن نُقارن بين الدراما التلفزيونية وغيرها من الفنون، لأنّ لكلٍّ منها خصوصيته، وفي كلٍّ منها إبداعٌ يستحق التوقف عنده وإيلاءه نصيباً من النقاش، لكن ربما علينا الاعتراف بأنّ مفاهيم كالنخبة والعامة، لم تُصبح ماضياً أبداً، ولم تفقد رواجها كما ردد البعض لمصلحة فنونٍ اكتسبت طابع الشعبية، إنما وَضعت لنفسها هذه المرة مساراً بريئاً من الاتهامات القديمة بالاستعلاء والانعزال والابتعاد عمّا يشغل المجتمع، وهو مسار فرضه الوضع القائم، حيث بات متوقعاً أن نشهد كما كان عليه الحال في زمنٍ مضى، فنوناً صُنِعت لأجل العامة، وهذا ليس انتقاصاً أو تقليلاً من شأن أحد، وأخرى غايتها جمهورٌ أكثر تحديداً، وعلى ما يبدو التحوّل المُفتَرَض يُنبئ بمزيدٍ من التراجع والخلخلة عموماً.