في الأزمة الأوكرانية.. الحلفاء ضحايا نار واشنطن

كلما أبدت موسكو استعدادها للتفاوض مع كييف لوضع حد للأزمة الأوكرانية، بدا واضحاً التعنت الأوكراني ومن خلفه الغربي- الأمريكي، في إطالة أمد الأزمة وديمومة تشغيل ماكينة الحرب والسلاح، بل الأكثر من ذلك أن الجدية الروسية في التفاوض تقابلها أوكرانيا بتشريعات تحظر المفاوضات، وعليه يبدو على المدى المنظور أنه لا صوت إلّا لصوت السلاح، والضحية كما في كل الحروب من ارتضى لنفسه أن يكون أداة أمريكية، أي أوكرانيا، ومعها أوروبا التابعة لواشنطن.
وأشار المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف إلى الحقيقة عندما أفصح بأن التشريع الأوكراني لا يسمح لكييف بالتسوية السلمية للوضع في البلاد، قائلاً: من منظور التشريع، ومن وجهة نظر قانونية، فإن أوكرانيا تستبعد إمكانية إجراء أي مفاوضات، وذلك رداً على سؤال عما إذا كان موقف كييف مقبولاً لموسكو، ولاسيما من حيث مطلب التعويضات.
ولاشك في أن التحركات والتصريحات الأوكرانية مدموغة بتأييد أمريكي، بل الحقيقة أن تلك التصريحات هي صدى لما تريده أمريكا، ويمكن التأكد من ذلك من خلال ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بأن المطالب الروسية بالاعتراف بالواقع الإقليمي الجديد “غير مقبولة”، ولا تساهم في عقد مفاوضات بين موسكو وكييف، أي إن واشنطن تضع العصي في دواليب أي حلول مرتقبة ومنتظرة وضرورية، في حين يبحث الرئيس الأمريكي جو بايدن مع المستشار الألماني أولاف شولتس، مسألة دعم أوكرانيا فيما سماه “حربها ضد روسيا”.
الدعم الأمريكي المعلن لأوكرانيا، تؤكده من جديد صحيفة “نيويورك تايمز”، التي أشارت إلى أن الولايات المتحدة اتفقت في العام الماضي مع “إسرائيل” على توريد ذخيرة مدفعية من عيار 155 مم إلى أوكرانيا من مستودعات أمريكية في “إسرائيل”.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، أن الصفقة تتضمن نقل 300 ألف قذيفة مدفعية إلى أوكرانيا، وتم شحن نصفها بالفعل إلى أوروبا ومن المتوقع تسليمها إلى أوكرانيا عبر بولندا.
أمريكا ليست وحدها في المضمار، فالدول الأوروبية حاضرة دائماً بالسلاح والإمداد وتسعير الحرب والمشاركة الميدانية إن اقتضت الحاجة، إذ قال بوريس بيستوريوس وزير الدفاع الألماني الجديد، في حديث لمجلة “دير شبيغل”: إن بلاده تشارك بشكل غير مباشر في القتال الدائر في أوكرانيا، مضيفاً: تمثل وزارة الدفاع تحدياً جدياً حتى في الفترة السلمية المدنية، وفي الفترة التي تشارك فيها جمهورية ألمانيا الاتحادية في الحرب، ولو بشكل غير مباشر”.
يشار إلى أن ألمانيا تقوم بتزويد أوكرانيا بالدعم العسكري بشكل نشط، وعلى سبيل المثال، أعلن البيت الأبيض سابقاً أن ألمانيا ستنقل مركبات مشاة قتالية من طراز Marder وبطارية من منظومات الدفاع الجوي الصاروخية من طراز “باتريوت” إلى أوكرانيا، كما سيتم تدريب عسكريين من الجيش الأوكراني في أراضي ألمانيا.
وبالرغم من انخراط ألمانيا بالأزمة الأوكرانية، إلّا أن هناك العديد من الأصوات في الداخل الألماني التي تدرك مسبقاً أن بلادها ليست إلا ضحية، إذ أعلنت النائبة الألمانية من حزب اليسار، سيفيم داغديلين، أن الولايات المتحدة بدفعها ألمانيا إلى تزويد كييف بالدبابات، تجبرها بهذه الصورة على “التضحية بنفسها” في الصراع ضد روسيا.
وكتبت داغديلين في مقالة نشرت في صحيفة “Berliner Zeitung”: يتزايد الضغط الشعبي لإرسال الدبابات الألمانية إلى أوكرانيا، هذا ما تريده الولايات المتحدة، لكن هذه الخطوة ستصبح خطأ تاريخياً، مضيفة: تشكلت في ألمانيا مجموعة من الأحزاب الداعية لتوريد الدبابات إلى كييف بأسرع ما يمكن، ولا يشك في ذلك أحد إلا المستشار الألماني أولاف شولتس والحزب الديمقراطي الاشتراكي لألمانيا الذي يترأسه.
وذكرت أن ألمانيا تواجه أيضاً ضغطاً من جانب الدول الأخرى من أعضاء حلف “ناتو”، التي تطالب بالسماح بإعادة تصدير الدبابات الألمانية، قائلة: تريد أن ترسل برلين إلى النار لتدمير العلاقات الروسية – الألمانية بشكل نهائي وجرّها إلى حرب روسية – ألمانية مفتوحة لمصلحتها الخاصة”.
وأشارت النائبة إلى أن شولتس لا يريد أن تكون ألمانيا أول دولة “تقع تحت نيران روسيا”، لذلك يتخفى وراء الولايات المتحدة ويعبر عن استعداده للعمل بالتعاون مع واشنطن فقط.
وتوصلت داغديلين إلى استنتاج مفاده أن الولايات المتحدة قررت إجبار حلفائها على التضحية بأنفسهم، مذكرة أن هذا العمل كان دائماً يُترك للتابعين. ودققت: يكمن في هذه النية الأمريكية عنصر استراتيجي جديد في العلاقات مع روسيا والصين، وفي إطار سياسة جديدة لاستهداف التحالف الأوراسي لروسيا والصين، يجب على ألمانيا واليابان أن تصبحا ما يشبه لحماً للمدافع، أي دول خط مواجهة بسيادة محدودة.

وعلى ما يبدو أن “التضحية” بالحلفاء سيدة الموقف في الميدان، إذ أفاد يان غاغين، مستشار القائم بأعمال رئيس جمهورية دونيتسك بأن العسكريين الأوكرانيين تحدثوا علناً على الهواء عن مواقع المرتزقة البولنديين في سوليدار ما سمح بتوجيه ضربات دقيقة ضدهم.
وقال غاغين في حديث لوكالة “نوفوستي”: “تمارس بولندا ضغطاً على ألمانيا لدفعها إلى إمداد أوكرانيا بدباباتها، ويثير ذلك لدينا نوعاً من الصخب في ضوء ما نعرفه عن العلاقات الحقيقية بين الأوكرانيين والبولنديين، أي في ساحة المعركة.. وحتى في مدينة سوليدار تم إلحاق جزء من الضرر بالوحدات البولندية بفضل العسكريين الأوكرانيين الذين لم يترددوا إطلاقاً في مناقشة مواقع زملائهم الأجانب على الهواء.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
1092طالباً بالثانوية العامة استفادوا من طلبات الاعتراض على نتائجهم قيمتها ١٥٠ مليون ليرة.. أين ذهبت مولدة كهرباء بلدة «كفربهم».. ولماذا وضعت طي الكتمان رغم تحويل ملفها إلى الرقابة الداخلية؟ الديمقراطيون الأميركيون يسابقون الزمن لتجنب الفوضى.. الطريق لايزال وعراً وهاريس أفضل الحلول المُرّة.. كل السيناريوهات واردة ودعم «إسرائيل» الثابت الوحيد هل هي مصادفة أم أعمال مخطط لها بدقة «عائلة سيمبسون».. توقع مثير للجدل بشأن مستقبل هاريس تطوير روبوتات لإيصال الأدوية عبر التسلل إلى دفاعات الجسم المكتبة الأهلية في قرية الجروية.. منارة ثقافية في ريف طرطوس بمبادرة أهلية الأسئلة تدور.. بين الدعم السلعي والدعم النقدي هل تفقد زراعة القمح الإستراتيجية مكانتها؟ نقص «اليود» في الجسم ينطوي على مخاطر كبيرة يُخرِج منظومة التحكيم المحلي من مصيدة المماطلة الشكلية ويفعِّل دور النظام القضائي الخاص.. التحكيم التجاري الدولي وسيلة للاندماج في الاقتصاد العالمي التطبيق بداية العام القادم.. قرار بتشغيل خريجي كليات ومعاهد السياحة في المنشآت السياحية