12 عاماً على «الربيع العربي».. المؤامرة لم تنته بعد
تشرين- رحيم هادي الشمخي:
لا شيء يستحق الاحتفال.. ولا نريد التذكر ولا من يُذكر.. وفي الأساس لا نحتاج ذلك، لأننا ما زلنا في أتون الكارثة منذ 12 عاماً.
قبل أيام اختتم ما يُسمى «الربيع العربي» شؤمه الـ 12، ورغم أن منطقتنا شبه توقفت عن العدّ منذ انتهاء العشرية الأولى من هذا الشؤم عام 2020، إلا أن الغرب الذي حاك مؤامرة «الربيع العربي» في ليل- أو امتطى ظهرها فيما بعد كما يحلو للبعض القول تزييفاً وقلباً للحقائق- يُصرُّ على العدّ وعلى التأكيد في كل عام أن هذا الربيع سيبقى قائماً وسيفاً مُسلطاً طالما أن المؤامرة على الأمة وعلى الأمن القومي العربي لم تتنهِ فصولها بعد.. ولن تنتهي حتى تخضع وتسلم رأسها، وهذا ما لم يحدث ولن يحدث رغم استشراس المؤامرة – في عشريتها الثانية – ترهيباً وتدميراً.. نهباً وسلباً.. حصاراً وتجويعاً.
في كل عام يعيدنا الغرب إلى تاريخ 17 كانون الأول من عام 2010 حيث انطلقت «شرارة البوعزيزي» في تونس لتشعل «ربيعاً» دموياً امتد وتعمّق ليطال أغلب الأمة، بعدها حُمّل البوعزيزي ما لم يَحتمل، وما لم يكن هو نفسه يقصده أو ينويه أو يعتقد ولو للحظة واحدة أنه عندما أقدم على حرق نفسه احتجاجاً على ظلم العيش وضيق الحال، سيجر كل تلك الكوارث والخراب فصولاً متوالية.
أياً يكن من أمر تلك الشرارة، فإن الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، وجد فيها ما يبحث عنه ليبدأ مؤامرته الكبرى، لتغيير كامل خريطة المنطقة العربية والإقليم، دفعة واحدة «سقوطاً وعلى مبدأ الدومينو» وبصورة نهائية بحيث لا تشهد قيامة من بعدها، وبحيث يتسيّد كيان الاحتلال الإسرائيلي، ويُوسع إرهابه طولاً وعرضاً، وبما يحمي المصالح الأميركية – الغربية، ويُشرّع كامل ثروات المنطقة وخيراتها وحتى قوتها البشرية، لتكون في خدمة الأطماع الاستعمارية الجديدة.
ورغم أن الغرب نفسه بلسان العديد من قادته ومسؤولية ووسائل إعلامه يعترف بأنه زرع ربيعاً إرهابياً في المنطقة، إلا أنه في الوقت ذاته لا يتراجع، فهو يعترف من باب التهديد والترهيب وعلى قاعدة: انظروا ما فعلنا وما يمكننا فعله.
في 4/3/2011 أي بعد أشهر قليلة من بدء «الربيع» المشؤوم، قال الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما: ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط يخدم المصالح الأميركية ويمنحها فرصة كبيرة، مضيفاً، هذه الأحداث تفتح أفاقاً واسعة أمام أجيال جديدة وقوى مختلفة لا بد وأن تدخل في علاقات تعاون مع أميركا و«إسرائيل».
الولايات المتحدة ربما حققت نصف أهدافها، لناحية جعل المنطقة نهباً للإرهاب والفوضى، ولناحية سقوط عدة دول فيها في دائرة الدول الفاشلة سياسياً واقتصادياً، وبينها دول مهمة ومؤثرة، والدول التي لم تسقط تستمر عرضة للتهديد والوعيد بأن ما حدث لغيرها ليس مستحيلاً أن يحدث لها مهما اتخذت من احتياطات ودفاعات ومهما كانت درجة استعدادها وجاهزيتها، أو درجة اطمئنانها لقوة جبهتها الداخلية الشعبية.
لكن الولايات المتحدة في الوقت ذاته لم تحقق النصف الثاني من أهدافها، حسب تصريح أوباما، أي خروج أجيال وقوى جديدة مستعدة للتعاون مع أميركا وكيان الاحتلال الإسرائيلي، وكان أوباما يقصد هنا أجيالاً وقوى من القاعدة الشعبية يجري اجتذابها والعمل عليها، أي تحويلها إلى عميلة، وتسليمها السلطة، فتكون طوع بنان أميركا و«إسرائيل».
فعلياً تبدو الولايات المتحدة وقد تخلت عن النصف الثاني من أهدافها، وهذا حدث منذ سنوات «الربيع» الأولى وتحديداً في عام 2015 عندما وجدت أنه من غير الممكن تحقيق ما جاء في تصريح أوباما، فكان لا بد من بديل، فظهر «داعش» التنظيم الإرهابي المسلح، الذي أوجدته، وجندت له الإرهابيين من حول العالم، ومدته بالمال والسلاح، ليكون يدها العليا ضد دول المنطقة، تهدد وتضرب بها، في البداية نجحت، لكن سرعان ما كان الفشل نصيبها، حيث اللعبة كانت مكشوفة، فما كان منها إلا أن انتقلت إلى ما يسمى الخطة «ب» لتتبرأ ظاهرياً من التنظيم الإرهابي وتدعي محاربته.. أما حقيقة الأمر فهو ذريعتها المكشوفة – والمعروفة للجميع – من أجل تبرير البقاء في المنطقة وترهيبها دولاً وشعوباً.
ولأنها قوة عظمى تعتمد الترهيب والتهديد والحروب.. ولأن الظروف الدولية في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تسعينيات القرن الماضي كرستها قوة عظمى وحيدة مهيمنة ومتسلطة على العالم.. ولأن خريطة المصالح الدولية والإقليمية خدمتها في ذلك.. فقد استطاعت فرض ذريعة «داعش» للبقاء وإدامة تواجدها الاحتلالي في سورية والعراق.
.. وفعلياً فإن المؤامرة بدأت قبل ذلك المسمى بـ«الربيع العربي» منذ أحداث 11 أيلول 2001 وغزو أفغانستان ثم العراق بحجة مكافحة الإرهاب ووفق قاعدة «من ليس معنا فهو ضدنا» ثم كرت فصول المؤامرة حتى وصلت إلى أواخر 2010 إلى 17 كانون الأول من هذا العام وما يسمى «شرارة البوعزيزي».. وها نحن ندخل العام الـ 13 من ذلك الربيع المشؤوم.
اليوم، هناك من يحذر من موجة «ربيعية» ثانية، باعتبار أن الأولى انتهت عملياً منذ عام 2015 مع تشكيل «داعش» وبحيث باتت أميركا وحلفائها الغربيين وعملائها في المنطقة يتآمرون على المكشوف.. وما شهدته المنطقة بعد عام 2015 ما هو إلا تداعيات ونتائج لم تحقق المطلوب أميركياً، أي إن المؤامرة الأميركية – الغربية – الإقليمية تراوح مكانها.. وأكثر من ذلك فإن التطورات الدولية وبروز عالم من القوى الجديدة ضد أميركا، تناحرها في ميادينها، وتزاحمها في أهم معاقلها.. جعل أميركا تخشى فعلياً على نفوذها العالمي، ومنطقتنا ضمن هذا النفوذ، ويُخطئ من يعتقد أن منطقتنا لم تعد ضمن الأولويات الأميركية، أو أن أميركا مجبرة على الغياب أو التغيب عنها لفترة من الزمن، في سبيل رعاية مصالحها في مواقع أخطر وأكثر ضرورة، بمعنى أكثر أهمية وضرورة لحماية زعامتها العالمية، حيث «هناك من يتحدث عن موجة أولى شملت تونس ومصر وليبيا وسورية.. وعن موجة ثالثة شملت اليمن والسودان.. وموجة ثالثة استهدفت بصورة أقل ولمدة زمنية محددة كل من البحرين المغرب والأردن وسلطنة عُمان.. تزامن معها موجة تهديدات لكل من الجزائر وموريتانيا».
منطقتنا ستستمر أولوية أميركية طالما أنها تختزن ثروات هائلة من النفط والغاز.. وطالما أن فيها أهم الممرات العالمية والبحار الاستراتيجية «البحر المتوسط وقناة السويس والبحر الأحمر على سبيل المثال».. وطالما أنها الأقرب إلى قارة المستقبل افريقيا بل إن نصف الدول العربية تقريباً هي جزء منها.. ولا ننسى هنا الكيان الإسرائيلي.
لكل ذلك وغيره.. يتم التحذير من موجة «ربيع» ثانية باعتبارها المؤامرة الأميركية «ب».. ولكن بكل الأحوال وأياً تكن التسمية أو رقم الموجة، ثانية أو ثالثة أو رابعة… الخ، فإن الولايات المتحدة الأميركية ستجد منطقة مختلفة تماماً، ليس فقط داخلياً، بل على صعيد الظروف الدولية والإقليمية المحيطة، وبما لم تحسب حسابه.. وبما لن تستطيع التعامل معه، أو كسب الرهانات حوله بمواجهة عالم القوى الجديدة التي عززت مواقعها وعلاقات مع المنطقة دولاً وشعوباً.
أكاديمي وكاتب عراقي