«بطاقة بحث» عاجلة عن حلقة تنموية مفقودة… حضر التوجه والنيات وغاب التطبيق الجريء؟!!
مركزان الخليل:
لم تتبلور على الأرض بعد تجليات واقعية للتوجه الحكومي، نحو خلق التناغم بين الإنتاج الزراعي والصناعي، رغم الجدية التي يتعاطى بها المعنيون لجهة الخطاب والنبرة المفعمة بالكثير من المعاني الاقتصادية والاجتماعية.
توجه من حيث المبدأ يتوافق مع الظرف الحالي للبلد وصعوبة تأمين أساسيات العيش والنهوض الاقتصادي في ظل تداعيات كبيرة خلّفتها حرب تجاوزت كل سقوف الإنسانية، وحصار أكثر منها خطورة لأنه تناول مقومات معيشة المواطن..
مساران
التوجه يحمل شقين للعمل بجدية واقعية وإنتاجية إيجابية تعكس ذلك على مكونات معيشة المواطن وهو هدف الدولة الأساس من هذا التوجه، الأول ترشيد المستوردات, والثاني تحقيق تكاملية الإنتاج الزراعي والصناعي وتشجيع العملية التصنيعية من بابها إلى محرابها..
وفي هذا الخصوص يرى الباحث الاقتصادي الدكتور عدنان صلاح اسماعيل أن التكامل بين الزراعة والصناعة من أهم ركائز تحقيق التنمية وتقوية الاقتصاد لأي بلد ويستدل على هذا التكامل من خلال عدة مؤشرات أبرزها نسبة المواد الأولية المستوردة في كلا القطاعين ونسبة المواد الأولية المنتجة محلياً لكلا القطاعين، وفي بلدنا تلعب الزراعة دوراً حيوياً في تنمية القطاع الصناعي، فمن جهة تقوم بتزويد الصناعات بالمواد الخام اللازمة للتصنيع كالقطن والخضراوات والقمح، ومن جهة ثانية يشكل القطاع الزراعي مصدراً أساسياً من مصادر الطلب على منتجات القطاع الصناعي كالأسمدة والجرارات ومستلزمات الإنتاج . والصناعة تلعب الدور ذاته في تنمية القطاع الزراعي، فمن جهة تقوم بتزويد الزراعات بمستلزمات الإنتاج، ومن جهة ثانية يشكل القطاع الصناعي مصدراً أساسياً من مصادر الطلب على منتجات القطاع الزراعي.
بطء
ولكن والكلام هنا (للخبير) يحضرنا سؤال في غاية الأهمية: هل وصلنا نحن إلى مرحلة تحقيق التشابك المطلوب بين القطاعين, وتحقيق الترجمة الفورية لمفاعيله على أرض الواقع..!؟
والإجابة واضحة وبسيطة وخاصة أن مؤشرات الاستيراد والاعتمادية بين القطاعين ليست بالمستوى المطلوب وإن كانت الحكومة في الفترة الماضية انتهجت سياسة التشبيك بين القطاعين.
وبالتالي حتى ننهض بالاقتصاد الوطني وتكون تشابكات القطاعات الإنتاجية إحدى دعائمه الأساسية يجب اعتماد استراتيجية وطنية متكاملة تبدأ بتقييم المحاصيل الزراعية وتحديد الاستراتيجي منها للأمن الغذائي في المرحلة الأولى، ومن ثم تحديد المحاصيل المرغوبة للتصنيع وبعدها استخدام المحفزات للتوجيه نحو تلك المحاصيل من قروض وتسهيلات وأولوية في تقديم الخدمات وتوفير مستلزماتها بصورة متكاملة لأنها سلسلة مترابطة تبدأ من الأرض وأعمال السقاية وانتهاءً بمنتج مسوق أو مصنع..
والجانب المهم أيضاً في رأي الخبير بداية المرحلة الثانية التي تقوم على توجيه الصناعات نحو القطاع الزراعي إن كان لجهة تأمين احتياجاته أو استخدام مخرجاته كمدخلات في العملية التصنيعية باستخدام كافة أنواع المحفزات وعوامل التشجيع..
كلمة أخيرة تحمل مثالاً من الواقع لكنه مثالٌ مرٌّ لنا ولصناعتنا : مزارعنا يزرع القطن ويتولى العناية به عدة أشهر ويحصل على قيمة معينة يتم تصنيع القطن في مصانع أوروبية لعدة ساعات ويعاد تصديره إلينا ويتقاضون فائض قيمة أكثر من عشرين ضعفاً مقارنة مع ما حصل عليه المزارع.. التدقيق في هذا المثال فقط يبين أهمية التوجه لتحقيق التشابك بين القطاعين الزراعي والصناعي والحصول على كامل فوائض القيمة التي تخلقها العملية الاقتصادية، وبالتالي من خلال هذا المثال والأخير من مئات الأمثلة ندرك تماماً المعنى الأساسي من وراء عملية التشبيك وتحقيق تكاملية القطاعين الزراعي والصناعي وترميم الفجوة الكبيرة التي خلّفتها سنوات الحرب في الأسواق ما بين الحاجة الفعلية وما هو متوافر فيها، إلى جانب تحقيق جانب مهم يتضمن الاستغناء عن الاستيراد واقتصاره على الضروريات، ونحن جميعاً نأمل أن يتحقق ذلك في المستقبل القريب..