حينما زرت مدينة حلب القديمة للمرة الأولى قبل ثلاث سنوات بعد خلاصها من الإر*ه*اب الأسود، اعتصر قلبي ألماً عند رؤية حجم الدمار المهول، الذي طال أسواقها البالغة 37 سوقاً، فأغلبها سوّي بالأرض وكان الركام يلفها من كل اتجاه، وقتها تساءلت بحسرة، عن إمكانية إعادة إعمار هذه المدينة التاريخية من جديد، لكون هذا الفعل “الجبار” يستلزم مالاً كثيراً وزمناً طويلاً عند النظر إلى حجم الخراب.
ولم يشأ أهل حلب المعروفون بأنهم “أهل إنتاج وعمل” ترك تساؤلاتي معلقة، فقدموا لي جواباً شافياً على طبق من فضة كما يقال، عبر التأكيد بأن المدينة القديمة بأسواقها وأحيائها ستعود إلى حلتها السابقة بأسرع وقت، وفعلاً انطلقت بعد فترة وجيزة ماكينة إعادة إعمارها، فكانت باكورة أعمال الترميم سوق السقطية الشهير، الذي يتوسطها، لتنطلق بعده رحلة تأهيل بقية الأسواق بهمة أكبر، بحيث أصبح كامل محور الخط المستقيم من سوق باب أنطاكية مروراً بسوق الأحمدية وساحة الفستق وخان الحرير والحبال باتجاه باب الزرب صوب القلعة، إضافة إلى أسواق الجلوم الداعمة لذوي الدخل المحدود خلال فترة قصيرة، في تبديل واضح لحال مدينة أتعبتها الحرب وأضاعت ملامحها، ما ساهم في تحريك نشاطها التجاري وإن كان بشكل بطيء من جراء الظروف الاقتصادية القائمة، وسط تقديم تسهيلات وإجراءات مشجعة، زادت أضعافاً بعد زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى مدينة حلب والتوجيه بتقديم الدعم المطلوب للإسراع في ترميم أسواقها حتى تعود إلى ثقلها التجاري وتسهم مع بقية المناطق الصناعية في استرداد العاصمة الاقتصادية عافيتها ودورها المعول عليه في إنقاذ الاقتصاد المحلي والواقع المعيشي.
ثمرة الاهتمام البيّن في مدينة حلب القديمة تجلت بوضوح في إصدار المرسوم 13 الذي قدّم تسهيلات وإعفاءات غير مسبوقة لم يكن يتوقعها حتى طالبوها، بغية تسريع عجلة الإعمار والتشغيل، وتالياً استرجاع هذه المدينة المهمة مركزها التجاري والاجتماعي والتنموي، وخاصة بعدما دق أهل التجارة والصناعة على صدورهم، متعهدين بمبادلة هذا “الكرم” بالعمل والإنتاج.
السبيل الوحيد للنهوض بالواقع التجاري والصناعي، يحتاج دعماً مماثلاً يمنح للمناطق الصناعية المدمرة، على نحو يضمن عرض بضائع محلية على رفوف محلات المدينة القديمة التراثية وليس سلعاً مستوردة في إفادة غير منطقية لهذا البلد أو ذاك بينما يمكن تصنيعها بأيدٍ محلية منتجة في معامل حلب والمحافظات الأخرى.. فهل سنشهد نيل المناطق الصناعية المدمرة اهتماماً مماثلاً في غمرة الدعم الكبير المقدم لمدينة حلب هذه الأيام؟