بين “سوسو” المعاصرة وعشتار التاريخية!
هدى قدور:
المسألة لا تقتصر على الاختلاف بالأسماء واللباس وأدوات الزينة، بل تصل إلى تغير المزاج واختلاف الشخصية، وهذا طبيعي مع تطور العصر، لكن القطع الحاد بين الحضارات القديمة وأبناء اليوم يرتبط بحال التراجع والضعف الذي يصيب الأمم حيث يلجأ المتراجعون حضارياً إلى تقليد الأقوياء في الطقوس وأساليب التفكير، وإذا تخيلنا لقاء يجمع “سوسو” المعاصرة مع عشتار أو نينار أو سميراميس، فإن العتب سيكون كبيراً من قبل الجدات اللواتي سينظرن إلى الحفيدات باستهجان بسبب فقدانهن الذاكرة.
“سوسو” المعاصرة، تظهر تقليدية في اللباس والكلام والسلوك ورائحة العطر وتسريحة الشعر وأسلوب الحب.. بينما الجدات القديمات سيظهرن أكثر حداثوية رغم انتمائهن إلى آلاف السنين قبل الميلاد!.
عشتار أنقذت حبيبها تموز من الموت، لكن “سوسو” كانت تبحث عن عريس لقطة! الأولى تستخدم العطور الطبيعية المصنعة من الأزهار، أما الثانية فتشتري العطور المغشوشة المعبأة يدوياً، وإذا كانت من المقتدرات جاءت بالعطور الأوروبية لأنها الأكثر شهرة اليوم. عشتار تقول إن من صنع العطر قبل أربعة آلاف سنة، أمهر في اكتشاف العبير، و”سوسو” قد تضطر لرشّ (الديودوران) المبتاع من (البسطات)!.
“سوسو” قد تعاني من الزواج المبكر، وعشتار سيحميها قانون حمورابي الذي حرم زواج القاصرات. عشتار ستبدو ذات جمال فطري منسجم مع الطبيعة، و”سوسو” ستظهر خاضعة لعمليات التجميل والحقن بالسيليكون.. ستغضب عشتار وهي ترى حفيدتها تحب القصة الفرنسية، بينما الجدائل والشعر الطويل هو رمز جمال الأنثى. ستحتدم الخلافات بين “سوسو” وعشتار، وقد تتبرأ الجدة من حفيدتها بسبب انسلاخها التام عن العائلة، ستقول الحفيدة إنها لم تكن تعلم بكل هذه التفاصيل التي تتحدث عنها الجدة، لكن عشتار ستلومها وربما تحتضنها بعطف، لأن عصر الحضارة يختلف عن عصر الانحدار.
ستحاول “سوسو” أن تعمل صفحة على الفيس بوك لجدتها عشتار، لكن الجدة ستقول إنها غير محتاجة إلى ذلك لأنها أشهر من نار على علم في جميع مراحل التاريخ. عشتار ستتحدث عن الأحجار الكريمة وصناعة الحلي من الذهب الخالص، وسوسو ستتباهى بالإكسسوارات المصنوعة من التنك. ستعدّ عشتار لحفيدتها كأساً من مغلي البابونج، لكن “سوسو” ستفضل أن تشرب “البيبسي”.
اللقاء سيكون حامي الوطيس، وقد يتطور إلى التأنيب القاسي الذي ستتعرض له “سوسو” من جدتها، لكن الوصول إلى حلٍّ وسط لن يكون صعباً على عشتار التي دوّخت العالم بجمالها وحكمتها ومنزلتها الرفيعة. الجدة والحفيدة، لاشك ستتعانقان في النهاية، لأن الدم لا يستحيل ماءً.!..