الهوية الأدبية لكاتبات سوريات في وجه المحظورات

التقاليد الأدبية في سورية ركنٌ هامٌ من أركان التراث الثقافي الغني لبلد واجه العديد من الصعوبات عبر مسيرته الحضارية العتيقة، لكن كاتبات سوريات أبينَ إلا الوقوف بوجه المحرمات الأدبية و الاجتماعية و كسرها، صائغاتٍ لأنفسهن سماتٍ متمايزة على الصعيدين الوطني والدولي.

بحثٌ عن الذات
“أيطالب أهل بلادي بالحرية ويعجزون عن منحها لبعضهم بعضاً، نصف الأُمّة يرسف في قيود خلقتموها أنتم أيها الرجال هنا يكمن الغلط الذي نأبى أن نعترف به”. تساؤل طرحته صبرية- الفتاة السورية الشابة التي كابدت القهر أثناء بحثها عن هوية شخصية و قومية في بلاد يحتلها الفرنسيون و منزل يسوده ضيم الأهل المتحفظين.
صبرية بطلة (دمشق يا بسمة الحزن) 1980 للكاتبة ألفت إدلبي التي حرصت في رواياتها على الإشراق بمكانة المرأة في المجتمع و تصوير معاناة النساء في مجتمعاتهن والضغوط المفروضة عليهن.
لستُ أَمَة!
هل فكرت ليوم واحد أن هذه المرأة التي أحضرتها لتكملة أثاث منزلك كانت إنساناً؟ إنها إنسان، تفضل ألف مرة مشاركتك بفكرة واحدة على أن تقدم لها أشهى الأطعمة .. “رشا” التي قضت عمرها في الحرمان: حرمان من الطموح، العاطفة، الحب الرعاية الاهتمام وحتى من الأمومة، وجدت سبيلاً مخالفاً للأعراف و التقاليد بليلة واحدة1961، ليلة واحدة عوضتها عن خمس عشرة سنة من الإملاق الجسدي و الشظف النفسي.
ريم التي سبقت رشا بشعورها بالاشمئزاز من الزواج في شكله التقليدي، لتصدح بصوتها عالياً في (أيام معه 1959): “لا! أنا لم أولد فقط لأتعلم الطبخ ثم لأتزوج وأنجب الأطفال وأموت! إذا كانت هذه هي القاعدة في بلدي، فسأكون الاستثناء.”!
لم تتوانَ كوليت خوري عن الخوض صراحة بموضوعات الحب والإثارة الجسدية في رواياتها وشعرها، ما نال أعمالها الكثير من الجدل لكسرها المحظورات في المجتمع السوري التقليدي . بطلاتها قويات بحثن عن الهوية الشخصية والإشباع الرومانسي.

الملتقى الثقافي الأول
قبل فترة طويلة من اعتماده في أوروبا في القرن السادس عشر، ما انفكت الصالونات الأدبية في سورية تقليداً حضارياً عرفته البلاد منذ دهور سالفة، لتعود مريانا مرّاش (1848 ـ1919 ) إلى إحياء تقاليده في منزلها الحلبي ضمن الملتقى الأدبي الأول عربياً قبل الصالونات الأدبية المعروفة في مصر وبيروت لمي زيادة وهدى شعراوي والأميرة فاطمة إسماعيل ، كتبت مراش المقالات في الصحف الوطنية معالجةً أوضاع المرأة في المجتمع لحثها على السعي وراء التعليم والتحرر، وكانت أول امرأة سورية تنشر مجموعة شعرية.
عروسة بلا عريس!
“إنَّ الإكرام قد أعطي للنساء ليزين الأرض بأزهار السماء”، عبارة أطلقتها ماري عجمي (1888 – 1965) الشاعرة والصحفية السورية شعاراً لمجلتها “العروسة التي لا عريس لها سوى الشعب الجائي على أقدام حريته يطلب بركة الوطنية تحت سماء العلم، مسجلاً عقد قرانه عليها بمداد الفكر والقلب، مكللاً رأسيهما ببراعم الآمال وأزهار الحب”.
تعدّ مجلة العروس أول مجلة تعنى بشؤون المرأة في الوطن العربي عام 1910 و منبراً للدعوة إلى “تحرير المرأة من قيودها، وتحرير الرجل من جحوده وتحجره!” على حد تعبير صحفيتنا.
محطات أنس عابرة
أنا المرأة التي غرقت بها المراكب كلها وخذلتها، و”حين لم يبقَ لها من الأشرعة غير جناحيها تعلَّمت كيف تتحول من امرأة إلى نورس. غادة السمان “عاشقة في محبرة” لفتّها سحب الأزل في زمن الحب الآخر 1987م فهل تراها مصادفة راودتها في كوابيس بيروت 1976م، ” أم إنّ القدر أراد أن يذكّرها بأن الحقيقة الإنسانية الأولى هي التشرّد، وأن الاستقرار ليس أكثر من محطات أنسٍ عابرة”. برز أدب غادة السمان مختلفاً منبثقاً من الإطار الضيق لمشاكل المرأة والحركات النسوية، ارتقاء لآفاق اجتماعية ونفسية وإنسانية، مانحاً المرأة المتحررة إنسانيتها وحقوقها كالرجل، معرفاً الاختلاف بينهما بالكيفية بدل الكمية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار