حكم العدالة.. مسيرة التشويق ابناً عن أب!

ما إن وطأت قدماي سيارة الأجرة في منتصف نهار ثلاثاء مضى، حتى خفقَ نغمٌ حماسيٌّ في مسمعي، ليأتني صوته الإذاعي الرخيم: “حكم العدالة”!.
شيء ما اعتصر فؤادي وتمنيت لو يطول الطريق، حنينٌ عاد بالذاكرة لأيام خوالٍ حين كان صوت المذياع يصدح في الأرجاء بينما نلهو بصمتٍ حذرٍ ونحن نصغي لكل حدثٍ وصولاً للحظة “النطق بالحكم”.
سنوات طويلة جمعت الأسرة السورية حول مذياعها بأسماعٍ مرتقبة وملامحَ مكفهرة تتوق لتحقيق العدالة بعد أحداث جريمة يحاول المسلسل طرحها بأسلوب بوليسي شائق قبل وأثناء أزمنة الفضائيات وصفحات الفضاء الإلكتروني.
أحداث مثيرة بدأ المحامي “هائل اليوسفي” بكتابة أحداثها منذ عام 1977، ليعكف الابن “منيب اليوسفي” (سرُّ أبيه) على متابعة مسيرة الحماسة والتشويق بأسلوبه المميز.

مسيرة الابن!
(أبو مرزوق- طبيب نفسي- كيد النساء- شاهد إثبات- بنات الجامعة- الحمل البديل- كتم العار- آيات.. إلخ) وغيرها الكثير من الحلقات الإذاعية التي ميزت المحامي الأستاذ منيب هائل اليوسفي ككاتب ألمعيّ خلاق باح لصحيفة “تشرين” بخلاصة تجربته طوال سنوات مع كتابة أحداث البرنامج الذي أثار حماس المستمعين وسلب قلوبهم.
يقول: “اعترف أن عملي لدى والدي المرحوم المحامي هائل اليوسفي أكسبني خبرة في كل المجالات في المحاماة وفي الإعلام وفي كتابة الدراما”.. لتنطلق لدى الكاتب الشاب فكرة متابعة ما أنجزه والده شغفاً لكتابة حلقات البرنامج، حباً وإخلاصاً لوالده المرحوم منذ تراجع صحته.
يكمل: “تدربتُ كمحامٍ عنده متلقفاً الكثير من العلوم، ولاسيّما الكتابة، تعلوها كتابة الدراما الإذاعية، وبحكم عملي كمحام وبعد أكثر من خمسة عشر عاماً امتلكتُ الأرضية الخصبة لطرح الكثير من الملفات القضائية التي عشت أدق تفاصيلها ووجدت أنه من المفيد إطلاع الناس على ما يفيدهم ويكسبهم التجربة الرادعة.. فعملت على توظيف تجربتي القانونية والحقوقية في كتابة الدراما وإعداد الدعاوى القائمة في المكتب درامياً، لا أنكر أنه عمل شاق خاصة أنّ الملفاتِ تفتقر إلى العقدة القصصية والبناء الدرامي، فقمتُ بترميم أحداثها زيادة أو حذفاً بما يخدم الرسالة التي أسعى لإيصالها”.
البرنامج الذي تألق لمصداقيته ونفسه البيئي عكس ما يدور بأحشاء المجتمع السوري بلغة بسيطة مستساغة مفهومة ومحببة بعيدة عن التقعر والتكلف.. “بتقديري إن والدي المرحوم الأستاذ هائل اليوسفي تركَ بصمة لا يمكن محوها من ذاكرة الكثير من السوريين عبر ما قدمه من برنامج حكم العدالة إضافة لبرامجه القانونية لأكثر من أربعة عقود وكان من أشهرها (الناس والقانون)”.
وبدوره لم يتوانَ كاتبنا المحامي منيب اليوسفي عن التميز بأسلوبه في المعالجة الدرامية والسعي لخلق جذبٍ فريدٍ مع الحفاظ على هدف البرنامج ورسالته ساعياً بحبٍّ: «كي تكون كل حلقة أقدّمها للإذاعة أجمل من سابقتها بغية استمرار ونجاح البرنامج».
(حكم العدالة) الذي قدّم الكثير من الثقافة القانونية والتوجيه الاجتماعي أثبت جدارته وقدرته على طرح قضايا مهمة مسّت واقع المجتمع السوري متناولاً بعض الجرائم التي حدثت أثناء الحرب على سورية مبيناً الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية.
فكرة أيدها كاتب البرنامج المبدع خاتماً حواره مع “تشرين” بالقول: “أمسى البرنامج محط اهتمام ودراسة الباحثين وعلماء الاجتماع، وكان لدى البعض موضع بحث علمي لنيل الدكتوراه، إنها إحدى الثمرات التي قطفها برنامج حكم العدالة حين نشر التوعية والموعظة بعيداً عن الأداء الأكاديمي الفج”.
يذكر أن حكم العدالة عمل إذاعي سوري، ما زال يُبَثُّ عبر أثير إذاعة دمشق، ويندرج تحت قائمة المسلسلات والبرامج الإذاعية البوليسية، وهو عمل متكامل الحبكة الدرامية يحمل صفة الواقعية ويعتمد عنصر التشويق والإثارة، تعاقبت على إخراجه مجموعة من مخرجي الإذاعة أمثال: حسن الحناوي ومحمد عنقا، وقد شارك فيه عبر تاريخه الطويل عدد كبير من الفنانين والفنانات في سورية مثل: دريد لحام، هالة حسني، صالح الحايك، سليم كلاس، رفيق سبيعي، فاديا خطاب، هاني شاهين، أمانة والي، سلاف فواخرجي، و وائل رمضان، حائزاً عشرات الجوائز في تونس ومصر ولبنان.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار