أدبُ الوباء.. تاريخ يعيد نفسه!

“علينا تحمل الثقل المُحزن لهذه الأحداث”، لعلّ شكسبير على لسان إدغار في مأساة “الملك لير” وافق ما سبقته العرب إليه حين أوصت: “من أَحَبَّ الْبَقَاءَ فَلْيُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَى الْمَصَائِبِ”.
قصائد وأعمال خالدة استطاعت أن تكشف لنا جوانب عديدة مشابهة لما نعيشه اليوم من هلع عالمي، وحصد للأرواح، وإجراءات احترازية عبر رواياتٍ وتوصيفات وتنبؤات أدبية عن أحداثنا المعاصرة المُنهكة.
لم لا والكاتب منذ الأزل يستهل خطوات البشرية حاملاً قنديله، مطلقاً العنان لخياله لآفاقِ من تبعوه وصولاً إلى منابع الفكر الوهاج.

تنبؤات مبكرة
“الظاهر الذي لا خفاء به ولا غطاء عليه أنَّ هذا الدَّاء يسري شرّه ويتعدَّى ضرّه.. فما من صحيحٍ يُلابس مريضاً ويُطيل ملابسته في هذا الحادث إلا ويتطرَّق إليه أذيته ويصيبه مثل مرضه”.. هذا ما أورده “ابن خاتمة” الطبيب والأديب الأندلسي البليغ في رسالته عن الطاعون في القرن الثامن، غير غافلٍ عن أهمية الجانب النفسي الوقائي لمن يعيش في زمن الأوبئة: “الأمراض النفسانية، فأصلحها التعرُّض للمسرَّات والأفراح، وبسط النَّفس وانشراح الصدر، وامتداد الآمال”.

رثاء ذاتي!
“سألتُ بارئ النسم في دفع طاعون صدم/فمن أحسّ بلع دم فقد أحسّ بالعدم”!…معبّراً عن معاناته ضمن قصيدة رثاء ذاتي كتب الشاعر السوري عمر المعرّي الكندي المعروف بابن الوردي، قصيدة تنتمي إلى أدب المقامات، والتي اعتبرت وفق المؤرخين، وثيقة مهمة عن مظاهر الطاعون وأشكاله ومظاهر وقوع البلاد بين براثنه. قضى الوردي بالطاعون بعد قصيدته بيومين عام (1349).
أما عن أشجان ما خلفه الوباء العاصف بمصر، فكتبت الشاعرة العراقية “نازك الملائكة” قصيدتها الكوليرا:
“فى كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْ
لا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْ
هذا ما فعلتْ كفُّ الموتْ”.
في حين وثقت رواية “الأيام” لعميد الأدب العربي طه حسين الهلعَ والرعبَ في عيون أبناء القرى أثناء دفنهم لموتاهم بالمئات بعد انتشار مرض الكوليرا، في حين اقتصر العلاج آنذاك على تناول بعضٍ من فصوص الثوم وانتظار حُكمِ القدر.

أدب عالمي
بالعودة إلى عام 1897، لرواية الكاتب الأمريكي هنري جيمس “غنائم بوينتون” ورَدَتْ جملةٌ لعل كثيرين ممن قرؤوا الكتاب أول مرة لم يتذكروها أو يلاحظوها: “لم تستطع مغادرة منزلها من دون التعرض لخطر العدوى”.
جيمس الذي استخدم العدوى كاستعارة لم يكن يدري أننا نقطن عالمها الحقيقي، حيث لا يمكننا حرفياً مغادرة منازلنا من دون التعرض لخطر العدوى!.
نقلة نوعية في تناول كارثة تفشي الأوبئة خطاها الشاعر الانجليزي أدموند سبنسر في قصيدته «ملكة الجان» عن ظاهرة تفشي الأوبئة، حيث صاغها الشاعر باللغة الدارجة، مجسداً الوباء بهيئة وحش أسطوري أنزلته الآلهة القديمة عقاباً للبشر على سوء أفعالهم.
ولا يمكننا إغفال الأدب العالمي الذي قدم «الطاعون» العمل الروائي المتميز الذي قاد مبدعه الفرنسي “ألبير كامو” لنيل جائزة نوبل العالمية، إضافة إلى رواية الكاتب الكولمبي غابرييل غارسيا ماركيز (الحب في زمن الكوليرا).

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار