ونحن نتابع الاهتمام الحكومي بموسم الحمضيات باعتباره أحد أهم المحاصيل الزراعية في بلدنا، كمؤشر على عزم الحكومة تدارك ما تراكم عبر سنوات، بخصوص زراعة الحمضيات تسويقاً وصناعة، يقفز إلى الذهن مباشرة محصول القطن، وتطرح الأسئلة الكبيرة المتعلقة بهذا المحصول الإستراتيجي.
لا شك أن جهوداً تبذل من جانب الحكومة للعودة بالإقلاع بهذا المحصول الإستراتيجي ودعمه في محاولات حثيثة للعودة به إلى الطريق المؤدي إلى الوصول لما كان عليه قبل سنوات الحرب، وقتذاك كنا نفاخر بإنتاجنا كماً ونوعاً، لكن واقع الحال لا زال دون طموح ورضا الجميع، ولا يشي باطمئنان، لاسيما إذا أخذنا بالاعتبار بقاء المعوقات الكبيرة الماثلة، على حالها، والتي لن نتحدث عنها لأن الجميع يعرفها ويعيش تفاصيلها.
ما نود الإشارة إليه هو ضرورة التحرك وبحماس وإرادة قوية لدعم هذا المحصول الإستراتيجي، خاصة أن هذه المحصول، أو ذهبنا الأبيض، يشكل أحد أعمدة الاقتصاد الزراعي، وله دور كبير في دعم الاقتصاد الوطني وأي تعاف فيه يوفر علينا كلفاً عالية، (نستورد القطن، وهذا ما لم يكن يحصل طيلة عقود ما قبل 2011).
اليوم يعرف الجميع أن المزارع أو العامل لا يمكن أن يستمر بعمله من دون محفزات يستطيع من خلالها الاستمرار بالعمل وكسب قوت يومه لإطعام أسرته، فالفلّاح ينظر في الإنتاج إلى المحصول الأقلّ كلفة، والذي يعطيه ربحاً مادياً أكبر، في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها بلدنا، ما رجّح كفة العديد من المحاصيل على محصول القطن، لاسيما أن هذا المحصول يتطلب عملاً كبيراً، وشرِه للمياه، وعدم توفّر الريّ الكافي، واعتماد الفلاحين في إنتاجهم في الغالب على الآبار، أدّيا إلى ارتفاع تكاليف إنتاج المحصول بشكل كبير، وتراجع إنتاجه وبالنتيجة عزف الكثيرون عن زراعته واتجهوا إلى زراعات سريعة المردود.
واقع صعب، ويبقى تأكيد أهمية دعم الإنتاج الزراعي، كونه البوابة لانتشالنا من الواقع الراهن وكما أقلع تسويق الحمضيات، يجب أن يكون هذا نهجاً ثابتاً بخصوص كل الزراعات فإيلاء الزراعة الدعم الكافي سيخفف من أعباء الاستيراد، وتقديم كل الدعم لها ستكون له انعكاسات على المدى المنظور.
لا نريد العودة إلى الحديث بلغة الأرقام لأنها قاسية ومؤلمة للجميع، فقد كان إنتاجنا، في عام 2011، أكثر من مليون طنّ، تراجع هذا الإنتاج إلى 100 ألف طن في عام 2015، وأقلّ من 20 ألف طن في عام 2021، للظروف التي يمر بها بلدنا، بنسبةِ تراجُع تجاوزت الـ90%، مع تقهقُر المساحات المزروعة من 250 ألف هكتار، إلى أقلّ من 35 ألف هكتار، أمام هذا الواقع فإن الأمر يتطلب جهوداً استثنائية لرسم خريطة طريق أو بداية مسار لتعافٍ تدريجيّ لهذه الزراعة الإستراتيجية.