“انعتاقُ” الأزرق عبر الأزمنة!

“في ثغرها ابتهالْ يهمسُ لي: تعالَ إلى انعتاقٍ أزرقَ حدودهُ المحالُ”. من زرقةِ التحرر اللانهائي لنزار قباني، إلى قصائده الزرقاء ودفاتره اللازوردية، إلى إطراء محمود درويش لمحبوبته “التشابه للرمال، وأنت للأزرق” لوحات خالدة مترعة باللون البحري لبيكاسو، بارنيت نيومان، إيف كليفن ولويز بورجوا، صبغةُ السماء التي فتنت الشعوب القديمة مشعلة شرارة الحروب التجارية بين الدول، إنها الزرقة المتربعة على قائمة الألوان الأكثر شعبية على مستوى العالم في آخر مسحٍ عالميٍّ، متخذة مكانتها العليا بين ألوان الطيف السبعة.

ولادة
“يا نهار أزرق!” عبارة يقولها المصريون المعاصرون تعبيراً عن الاستياء في تناقض غريب بين آفاقهم الشاسعة ونِيلِهم العظيم من جهة، وإرثهم الفرعوني الهائل من جهة ثانية، المجتمع الأول الخالق لكلمة أزرق عبر إنتاج صبغة زرقاء ظللت التضحيات والهدايا المقدمة للآلهة. اللون عينه صبغ شعر الفراعنة والملكات لتأكيد أصلهم الإلهي الأعلى.

رمزية
رغم أن الأزرق في موروثنا العربي أشار في كثير من الأحيان إلى الخبث أو الشر: (ناب أزرق) أو (موت أزرق) أو كما جاء في القرآن الكريم: «وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا»، لكن لا يزال معظم سكان الشرق يوقنون أن اللون الأزرق يخيف الأرواح الشريرة كما يقي من عيون الحاسدين، فانسَدَلَ الأزرقُ مزركشاً فوق قامة العروس في حفلات الزفاف الشعبية السورية القديمة تجسيداً لهذا الشعور، كما عُلِّقت التعاويذ الزرقاء في مختلف الأركان!
يرمز الأزرق إلى الخلود والنبالة والصدق والعفة والولاء والشهرة الجيدة. فـ”الدم الأزرق” يعرّف -عند بعض الشعوب- عن الأصل النبيل للإنسان، بينما يشير للشخصية اللئيمة عند آخرين. في جنوب إفريقيا للّون الأزرق معنى الحداد. فيما مفهوم “الخوف الأزرق” خصّ بعض الفرنسيين، أما بالنسبة للسلافيين فإنه لون الحزن المرتبط بالعالم الشيطاني، في حين عدّ الفُرسُ الأزرقَ مصدراً للتفاؤل والحظ السعيد.
وفي حضارة المايا القديمة تم طلاء كل ما صنع من الخشب والسيراميك واللوحات الجدارية والراتنجات العطرية الخاصة بالأضحيات والقرابين بالطلاء الأزرق.
ولم يحب الإغريق والرومان اللون الأزرق خاصة مع تنامي حنقهم على قبائل “الكلتيين” الذين كانوا يطلون أجسادهم باللون الأزرق قبل الدخول بأي غزو لأراضيهم، رابطين الأزرق بالانحطاط والبربرية والعبودية، نظرة ورثوها من أسلافهم اليونان، الذين انعكس كرههم اللون الأزرق في لغاتهم وكتاباتهم.

مكانة قُدسيّة!
تعود مكانة اللون الأزرق إلى العصور الوسطى حيث بدأ الناس يربطون اللون الأزرق بمريم العذراء باعتبارها ملكة السماء، فدخل هذا اللون الكنيسة رغم جهود الأساقفة الكارهين للألوان، ليصبح الأزرق فيما بعد لون الأغنياء وأصحاب السلطة وانعكاساً للصفاء والعمق.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار