كرائدٍ أوّل لـ”الانطباعية” السورية.. هيئة الكتاب تحتفي بمئوية نصير شورى بإصدارين

لم يمضِ سوى أسابيع قليلة على إصدار الهيئة العامة السورية للكتاب- وزارة الثقافة، كتاب (مئوية شورى) الذي أعدّه الناقد التشكيلي سعد القاسم؛ حتى اتبعته بإصدارها بكتابٍ ثانٍ بعنوان (نصير شورى- سيمفونية الألوان)، وهذه المرة من إعداد الناقد التشكيلي طارق الشريف، وسبق أن قدمنا مراجعة في الكتاب الأول عند صدوره، وهنا اليوم نقدم مراجعتنا في الكتاب الثاني لفنان سوري يُصنفه مُعظم النقاد على أنه من الرواد الأوائل الذين أسسوا للحركة التشكيلية في سورية ولاسيما في منحاها الأكاديمي والجمالي، حيث حددوا شواغل لوحته في منحيين أكثر ما تجلت فيهما أغراض لوحته البحثية والجمالية، وهما: الطبيعة، والوجوه.
فبين سنة 1920، وسنة 2021؛ يكون قد مرّ على ولادة الفنان التشكيلي السوري نصير شورى مئة وسنة واحدة، عاش منها حتى سنة 1992.. تلك هي الفسحة من الحياة؛ التي كانت كافية لظهور تجربة جمالية سورية، ولأن يكون لها الحيز اللوني لأن تمتدّ وتنتشر بكل انعطافاتها، ولتجعل من صاحبها أحد أهم الأسماء في الحياة التشكيلية السورية، والذي ارتبط باسمه مُصطلح الواقعية الاختزالية على ما يرى الناقد سعد القاسم.
فيما يُتابع الناقد الشريف بدايات التجربة وتكونها، ومن ثم انعطافاتها، وإن كانت قليلة.. نصير شورى الذي لفتت الألوان انتباهه منذ سن مُبكرة عندما رسم أحد أساتذته في سن الخامسة من عمره ليؤكد أثناءها مُدرّس الرسم على وجود موهبة فطرية في أعماق الفتى، وهو ما تجلى في تجربة شورى الفنية بعد إنجازه مئات اللوحات لتصل فيما بعد إلى صيغٍ فنية أصيلة تعتمد على تناسقٍ لوني وصياغة لونية خاصة لعلاقة الأشكال والألوان؛ اعطته خصوصية ما، في المشهد التشكيلي السوري؛ خصوصية كانت نتاج فطرية لا تملُّ تُقدم له الحلول النهائية لتكوين اللوحات، وعلاقة الألوان والأشكال، وهي التي تُعطي خصوصيتها وتفردها، كما أنها تُعطي العمل الإبداعي أصالته الفنية. ومن ثمّ لتأتي بعد ذلك الطبيعة التي تفاعلت مع الموهبة وأضافت لأعماله الرؤى الجمالية والتعلق بالألوان، وتقديمها بحساسية أكثر تناغماً، وفي هذا المجال يذكر شورى نفسه: “إنّ حبّ الطبيعة؛ كان المُشجع لي للمُتابعة، فقد كنَّا نقطن في منطقة المهاجرين، وفي منطقة تحيط بها الحواكير في بيتٍ خشبي قديم، فيه كل ما تشتهي، وكنتُ انهض صباحاً على ضوء الشمس لأستمتع بالطبيعة الجميلة حولنا، وأسمع غناء العصافير والطيور كلَّ صباح..”. وبهذه الزوادة البصرية المبكرة؛ تفاعلت الطبيعة مع نفسه، ووجدت الصدى لجمالها في عالمه الفطري، واتحدا ليخلقا البداية الأولى للتجربة، فقد برزت أهمية الطبيعة في أعماله الأولى قبل أن يتحرر من قيود الموضوع الخارجي وتفاصيله لصالح الألوان المُتناغمة، والتي مهدت له للخوض في الانطباعية.
فعن طريق الاحتكاك برواد سورية الانطباعيين ولاسيما الفنان جورج بول خوري، وميشيل كرشة؛ تعرّف نصير شورى إلى مفاهيم الانطباعية بالتعبير عن الأشكال عن طريق الألوان، والتدرجات الضوئية، وتأثر بروح التجديد والحساسية اللونية، وكان أن أغنى هذه الانطباعية بألوان خاصة، إلى أن كانت دراسته الأكاديمية في مصر والتعرّف إلى نخبة فناني القاهرة، وهكذا بدأ يتخلى عن الشفافية اللونية التي كانت تُميّز تجربته الأولى، ليتجه لاعتماد المساحات الضوئية، والاستفادة من تضاد الألوان بدلاً من تدرجات اللون الواحد، وتأكيد أهمية الموضوع الذي يرسمه، ورصد تعابير الوجه، وسبر أغوار الشخص المرسوم من دون التوقف عند مجرد مُحاكاته، أو المعالم الخارجية فقط، بقدر ما يُقدّم الحالة النفسية ولاسيما من بؤس وحزن: الحالتان اللتان انشغل بهما، وهو ما أكدّه في لوحة (الفتاة ذات الوشاح الأحمر)، وهو أيضاً الأمر الذي مهّد له للمرحلة الثانية من التجربة، أي رسم الوجوه التي يقول عنها: “لقد ظلَّ الهدف الرئيسي لرسم الوجوه؛ هو الوصول إلى أعماق الشخص المرسوم، وتقديم المعاني العميقة التي تختفي خلف الإشارة، أو الحركة..”، وهنا نذكّر- كما أسلفنا- أن أولى لوحاته كانت حين رسم أحد أساتذته في سن مُبكرة.

وكانت لوحته (غُلام بائس) التي رسمها سنة 1944، مساراً جمالياً للمشاعر الإنسانية من حزن وفرح وبراءة، يُجسدها بحساسية عالية بين تدرجات ألوان بعينها، ومن خلال الاعتماد على الضوء لتكريس الحالة الإنسانية.. وكانت أيضاً لوحة (الفنان) بريشته سنة 1944.. وهو الأمر الذي جعل النقاد حينها يقولون عنه: لقد جعل نصير شورى الانطباعية الوافدة على بلادنا تأخذ شكلاً خاصاً، والقدرة على التفاعل مع الواقع، ومع الموضوعات والألوان المحلية الموجودة في بيئتنا، وهو ما عدّوه تجديداً في الفن التشكيلي، وتأسيساً لأصالة فنية، وقد بدأت أعماله تستأثر بالاهتمام فيما بعد، لما قدمتّه من صياغات فنية جديدة، وهذا الأمر قدمه لينال الكثير من الجوائز خلال فترة أعوام عقد الخمسينيات خلال القرن الماضي كله تقريباً.. وتُعد لوحته (ابتهال) التي رسمها سنة 1953 أهم أعمال هذه المرحلة، تلك اللوحة التي تُقدّم الحالة النفسية للمرأة أكثر من الملامح الشخصية، وفيها استخدم الألوان للتعبير عن الحالة الداخلية، وأغنى الوجه بالتدرجات الضوئية، حيث قدّم لمسة ضوء لتقديم الإنارة على مناطق بعينها كالأنف مثلاً.. وكان أن تكاملت تجربة (الوجوه الشخصية) لديه، فرسم العديد منها التي عبّرت عن شفافية لونية كانت الأقرب إلى طبيعة نفسه، رغم أنّ الغاية الأولى كانت لديه البحث في أعماق الشخصية وما خلف الوجوه.. من دون أن يأخذه ذلك بعيداً عن العوالم الجمالية اللونية، والقيم التصويرية.
ويعدّ الناقد الشريف أنّ تجربة شورى في رسم المناظر والتحاور مع الطبيعة من أغنى التجارب وأكثرها عمقاً؛ لأنه، في رأيه، تمكّن من رؤية الطبيعة سليمة، ودرس عناصرها بدقة، كذلك أعادَ اكتشاف المفاهيم الجمالية والفنيّة على نحوٍ جديد، وفيه يؤكد أهمية الألوان والانسجام الشكلي واللوني، وعلاقة اللون بالضوء، وتفاعلهما معاً، وما تُقدمه الألوان من جمال يُمتّع المشاهد.. حيث تُقدّم لوحة (دير قانون) التي رسمها سنة 1953م شكلاً مُختلفاً من المناظر، إذ نرى الطبيعة المُتحركة، التي تختلف عن اللوحات ذات الطبيعة الهادئة، ونرى التضاد اللوني بدلاً من التناغم، هذا التضاد الذي وجده (الحل) للكثير من الأمور الفنية، ففي مقدمة اللوحة رسم الأشجار بشفافية، ثم شكّل الجبل القريب بألوان قريبة من الأحمر مقابل الأزهار الصفراء والأشجار الخضراء، وفيما بعد الغيوم البعيدة المُتداخلة مع الجبال بلون أزرق، فقد وزّع اللوحة بمساحتين، لتعكس عالماً بوجهين: أحدهما شفاف وجميل، وهو العالم القريب، والآخر بعيد وصاخب يتحرك بعنف.
ومن ملامح لوحة شورى اتجاهه للاختزال من أجل التعبير الذي كان يوصل بألوانه إلى حدود التجريد، وذلك عندما تخلى الفنان شورى عن رسم الموضوعات التقليدية بعد أن استنفد -على ما يبدو- كل الأشكال، وبعد أن درس الواقع وتعمّق بتفاصيله، وذلك بلغة فنية خاصة لها صلاتها بالطبيعة، ولها علاقة بالتفاعل مع اللون بذاته وتدرجاته من درجات لونية وضوئية، وكان أن أوجد تداخلات لأشكالٍ هندسية حوّر الواقع إليها، ودمجها مع الأشكال العضوية التي تركت آثارها في المساحات المختلفة.. كما زاد من الاهتمام بملمس السطح المتنوع من ناعمٍ وخشن، ومن ثمّ الوصول إلى عدّة اكتشافات مُهمة، منها: تقديمه لنظامٍ لونيٍّ وشكليٍّ، يجمعُ التناغم والتضاد معاً، كما جمع بين الطبيعة والأشكال الهندسية، وبين الألوان الحارة والباردة، للوصول إلى تكوين له أصالته عن طريق دمج كل ما سبق.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
سورية تدين اتهام الاحتلال لـ«أونروا» بالإرهاب وتؤكد أنه يأتي ضمن محاولاته لإنهاء دورها وافق على تأمين 5 آلاف طن من بذار البطاطا.. مجلس الوزراء يعتمد الإطار الوطني الناظم لتبسيط إجراءات الخدمات العامة 1092طالباً بالثانوية العامة استفادوا من طلبات الاعتراض على نتائجهم قيمتها ١٥٠ مليون ليرة.. أين ذهبت مولدة كهرباء بلدة «كفربهم».. ولماذا وضعت طي الكتمان رغم تحويل ملفها إلى الرقابة الداخلية؟ الديمقراطيون الأميركيون يسابقون الزمن لتجنب الفوضى.. الطريق لايزال وعراً وهاريس أفضل الحلول المُرّة.. كل السيناريوهات واردة ودعم «إسرائيل» الثابت الوحيد هل هي مصادفة أم أعمال مخطط لها بدقة «عائلة سيمبسون».. توقع مثير للجدل بشأن مستقبل هاريس تطوير روبوتات لإيصال الأدوية عبر التسلل إلى دفاعات الجسم المكتبة الأهلية في قرية الجروية.. منارة ثقافية في ريف طرطوس بمبادرة أهلية الأسئلة تدور.. بين الدعم السلعي والدعم النقدي هل تفقد زراعة القمح الإستراتيجية مكانتها؟ نقص «اليود» في الجسم ينطوي على مخاطر كبيرة