ظاهرة قديمة وتتجدد.. السرقة الأدبية المعاصرة ارتكاب متعدد الأوجه ..قابل للبراءة والتجريم
تشرين- وصال سلّوم:
السرقة الأدبية ظاهرة بحدِّ ذاتها، منتشرة وعمرها يعود للعصور القديمة وتأثر الشعراء يومها بالأساطير الإغريقية، حتى العصر الجاهلي ونخبة شعراء العصر الأموي والعباسي، وجهت إليهم أصابع الاتهام، والتشهير بأسمائهم الكبيرة، لمجرد تخاطر أفكارهم وورودها في أشعار معروفة، فما هو الحال اليوم وعصر الإنترنت فتح باب السرقات الأدبية على مصراعيه، وكاد فعل القص واللصق أن يصبح مهنة من لا مهنة له، فالسرقة الأدبية المعرفة بأنها الادعاء أو التلميح بأن “عمل شخص آخر هو ملك لك” ويمكن أن تكون هذه السرقة لفظًا أو حتى معنى وتعدت لكونها موادَّ مكتوبة، بل تنطبق أيضًا على الصور والفيديوهات والموسيقا..
فلا المتنبي باسمه الكبير خلص من إشارات الاتهام لمجرد التلميح بفكرة شاعر آخر، ولا نصوص طه حسين وتوفيق الحكيم العظيمة استطاعت التبرؤ من تهمة السرقة بعد قراءة النقاد لكتابات المستشرقين، والأدباء المغمورين، وحتى المقالات المترجمة نالت قسطًا من السرقة على يد ترجمات عبد القادر المازني.
ومابين مفهوم السرقة الواضح التعبير، ومفاهيم مستحدثة لظاهرة التأثر والتأثير والتناص بقيت السرقة جريمة متعددة الأوجه وقابلة للبراءة والتجريم.
وحول ماهية التعريف للسرقة الأدبية، حدثنا الكاتب والأديب حسن حميد فقال:
السرقة قباحة أيًا كان شكلها، وأيًا كانت غايتها، وأيًا كانت صورتها، ولاسيما حين تبديها وقاحة عارية.
أمر السرقات الأدبية قديم قدم الكتابة، وهو سلوك خلق ليزحف لا ليطير، وهو لا يخص شعبًا أو جغرافية أو زمناً أو فنًا..كتابة الرسائل الأولى التي تنقل الأخبار والعواطف..كلها كانت مسروقة، مطالعها مسروقة، أسلوبها مسروق، خواتيمها مسروقة،..والجديد كان جليًا في الأسماء، أسماء البشر والأمكنة..
وأيًا كانت حال هذه السرقات، وزمنها ومكانها، فهي رذيلة، واعتداء، وخفة عقل، وإلّا ما الذي يعنيه أن يسرق كاتب في الغرب المتوسطي، البحر الأبيض المتوسط، كاتبًا في الضفة الشرقية لهذا البحر، ويقول هذا كتابي، وليس له فيه سوى العنوان والحقد،..هذا يعني قلة تهذيب، وقلة وعي بماهية الإبداع ، حتى لو كان هذا السارق يحمل اسم: دانتي.
في بال كلٍّ منّا خبيرات كثيرة عن سرقات كثيرة أيضًا حدثت في جميع الآداب العالمية، ولعل أولها سرقة كتب مثل: ألف ليلة وليلة، والأساطير عامة، ودونكيشوت، وكأن سرقة هذه الكتب غدت أشبه بمن يقصدون الغابات من أجل المزيد من التحطيب، كذلك هي حال التراث الشعبي، وقد تأخرت محاولات تدوينه، التي سرقت حكاياته ونهبت ونسبت، زورا وبهتانًا ، إلى شعوب أخرى.
أيضًا، معظم المسرحيات المعروفة في العالم، مثل دائرة الطباشير، هي مأخوذة استلالًا من تراث شعبي، ولا يمكن نسبها لكاتب بعينه.
ومهما كانت صورة السرقة براقة، تظل سرقة، ومهما طال عليها الزمن وغطاها، تظل سرقة حتى لو كانت مستلّة بذكاء.. فهي قباحة سلوك، وقلة احترام، وتجرؤ فارغ، وهشاشة ضعف، وقصور موهبة، وتنكب للأصالة والجدة، والرضا الذميم بتقفي دروب الآخرين..حتى سراق الذهب هم سراق، وكذلك سراق الكحلة من العين..هم سراق، على الرغم مما في الأمرين من حذق، ودهاء..وشطارة.