كُفَّ عمّا ليس لك

التلميذُ لا يبقى تلميذاً لأستاذٍ حصريٍّ واحد، وليس شرطاً أن يظلَّ موافقاً لكل أفكار أستاذه، ولكنَّ ما يجب أن يبقى إن لم يتنامَ هو احترامُه الصادقُ له، وهذا هو الأدب المقصود الذي يرافق – إذا لم يسبق – أيَّ درجةٍ علمية بلغ شأنُها ما بلغ، حتى ولو سارا مستقبلاً في اتجاهين متعاكسين.
لقد كان فرويد مهتمّاً جداً بالعلل النفسية حتى قيل : إنه كان عميدَ التحليل النفسي، وها هو تلميذهُ آدلر يأتي بعد مدّةٍ ليقول: (إنَّ أستاذي يسير بهذا الاتجاه وأنا أسير في اتجاهٍ آخر مغاير، ولن نلتقي بعد اليوم..) ولعلَّ هذا الموقف يعبّر عن المصداقية أكثر ما يعبّر عن إظهار الاختلاف في الرأي والوجهة، ذلك أنّ ما أُخذ على (فرويد) هو أنه كان كثيرَ الفرضيّات، ولعلَّ من هذا المأخذ الموضوعي صُنعت مفاتيح ما سمّي بعلم النفس التجريبي، والذي ما إن فُتحت أبوابُه حتى انطلقت منها أوّلُ قطرة من غيث النقد الغزير لمعظم ما كان سائداً من مفاهيم وتصورات مصدرها النظرية الفرويدية، ولعلَّ هذا هو الاختلاف أو التمايز المطلوب الذي اعتُبِر مفيداً لأنهُ كما تمَّ توصيفه، لا يفسدُ للودّ قضية.
وعودٌ على بدء، ولأجل إيضاح الرأي المختلف الذي اعتقده وعبّر عنه التلميذ (آدلر) بكامل حريته ودون أن ينال من مكانة أستاذه، فإنّ علينا أن نستوعب بكل بساطةٍ وتلقائية، أنَّ موضوعَ موضعِ الاختلاف، كان من أهمّ وأعقد العناوين التي تهمُّ كلَّ سكان البسيطة، ولا مكان في ذلك للمجاملات بل لتقديم الحقائق المفيدة، وربّما يقودُنا قول أدلر التالي إلى سهولة استيعاب واختصار (الدّالّتين) وصولاً إلى سلامة المقارنة العلمية: (إنَّ شعورَنا تُجاه الطبيعة والحياة، كلّ هذا هو بما توحيه طهارةُ الحب، الحياة مشتقةٌ أصولُها من إيحاءات الحب وليس من أيّ لذةٍ أخرى، بل إنَّ كلَّ لذة تكتسب روعتها منه..) وطوبى لتلك الغادة البدوية الحرة التي لخّصت روعة الشرق بما قالته لفتىً فتنهُ ساعداها:
(إذا كنت تكفُّ نفسك عمّا ليس لك، يحلو الذي عندك).

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار