في اليوم الـ72.. الكيان يعود أدراجه باتجاه هدنة جديدة وواشنطن تسعى إلى فتح مسار تفاوض على جبهة البحر الأحمر

دمشق – مها سلطان:
يعود الكيان الإسرائيلي مُجبراً إلى مسار «الهدن» وتبادل الأسرى، وقد لا ينتهي هذا اليوم «وعلى أبعد تقدير يوم غد» حتى نشهد إقرار هدنة جديدة، تسجل فيها المقاومة الفلسطينية انتصاراً آخر على مستويين: الأول ميداني لناحية عدم قدرة الكيان على تحقيق أي إنجاز بعد 17 يوماً من استئناف عدوانه على غزة، بعد انتهاء الهدنة السابقة أول الشهر الجاري، وبعد 72 يوماً من انطلاق العدوان على غزة بعد عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي.
المستوى الثاني هو إجبار الكيان على الإقرار بفشله والعودة طائعاً إلى التفاوض على هدنة جديدة، وفق المسار الذي وضعته المقاومة الفلسطينية، وأساسه أن لا سبيل لتحرير الأسرى إلا بعملية تبادل، وهذه المرة قد تكون العملية شاملة وفق قاعدة «الكل مقابل الكل». وكان التفاوض وفق هذه القاعدة بدأ قبيل انتهاء عملية التمديد الثاني للهدنة الماضية، لكن مسار التفاوض توقف كلياً مع إصرار الكيان على استئناف العدوان على غزة.

ابتلاع السكين مرة أخرى
وكان الكيان قد أعلن مراراً خلال الأسبوعين الماضيين أنه لا توجد هدن جديدة ولا تفاوض على تبادل أسرى، وأن العدوان مستمر حتى القضاء على المقاومة واستعادة الأسرى، ومع مقتل ثلاثة من الأسرى الإسرائيليين بنيران الجيش الإسرائيلي أمس، وبما فاقم ضغط المستوطنين على متزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو، كان لا بد من ابتلاع السكين مرة أخرى والعودة إلى التفاوض.
وكما في عمليات التبادل الماضية، سيكون الكيان خاضعاً لجدول أعمال المقاومة لناحية الوقت والتوقيت والعدد والأمكنة، وربما تفاصيل أخرى ستتكشف في حال تم إقرار هدنة جديدة.

إذا ما تم إقرار عملية تبادل جديدة فإن الكيان سيكون خاضعاً لجدول أعمال المقاومة لناحية الوقت والتوقيت والعدد والأمكنة.. وقد تكون العملية شاملة على قاعدة «الكل مقابل الكل»

وكان عضو مجلس الحرب الإسرائيليي بيني غانتس قد أقر أمس بأن «إسرائيل» تتكبد خسائر كبيرة في قطاع غزة، وأن الجيش الإسرائيلي يخوض حرباً معقدة ومركّبة هناك، وأضاف في مؤتمر صحفي مشترك أمس مع نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت: نحن مسؤولون عن إعادة المحتجزين، فيما قال نتنياهو: نحن في حرب وجود وعلينا الاستمرار حتى النهاية.
وما لم يقله نتنياهو هو أن الكيان مجبر على الاستمرار في الحرب، لأن التوقف يعني بداية النهاية، إلا إذا وجدت الولايات المتحدة لكيانها سبيلاً للخروج من هذه الحرب، وهو ما تجهد في سبيله ليلاً ونهاراً، ومن أجل ذلك لا يكاد مسؤولوها يغادرون المنطقة حتى يعودوا إليها ثانية، لكن الوقت ليس في مصلحة الجهود الأميركية، ففي كل مرة يعود المسؤولون الأميركيون إلى المنطقة يجدون أن المهمة ازدادت تعقيداً مع كل ما يطرأ على ميدان غزة ومجمل المنطقة من تطورات متسارعة ومتسعة، تخسر معها واشنطن وكيانها مزيداً من الأوراق.

جبهة البحر الأحمر
مقابل مسار التفاوض الذي عاد إليه الكيان الإسرائيلي، فإن الولايات المتحدة تسعى إلى فتح مسار تفاوض آخر على جبهة اليمن/ البحر الأحمر، وهو ما كان متوقعاُ رغم كل التهديدات التي تطلقها الإدارة الأميركية.. صحيح أن واشنطن لا تعلن شيئاً بخصوص هذا المسار إلا أن إعلان المقاومة اليمنية «أنصار الله» وجود هذا المسار، أمر كاف ليؤكده، ولا نعتقد أن الوقت سيطول قبل أن تبدأ واشنطن بالحديث عنه، مباشرة أم مداورة لا فرق.
المقاومة اليمنية، حسب المتحدث باسمها محمد عبد السلام، عبر منصة «X»، أكدت إجراءها محادثات مع أطراف دولية بوساطة سلطنة عُمان، حيال العمليات التي تنفذها في البحر الأحمر دعماً لغزة وأهلها، وقال عبد السلام: أكدنا للجميع أن عمليات اليمن هي لمساندة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وأنه لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي إزاء ما يتعرض له القطاع من عدوان وحصار، حيث لا غذاء ولا دواء، وحتى مياه الشرب أقدم كيان العدو على قطعها.

 في كل مرة يعود المسؤولون الأميركيون إلى المنطقة يجدون أن المهمة ازدادت تعقيداً مع كل ما يطرأ على ميدان غزة ومجمل المنطقة من تطورات متسارعة تخسر معها واشنطن وكيانها مزيداً من الأوراق

وتابع المتحدث باسم المقاومة اليمنية: في مختلف اللقاءات جرى التأكيد أن موقف اليمن مع غزة غير خاضع للمساومة، وأن سفن العدو أو تلك المتجهة إلى موانئه ستبقى عرضةً للاستهداف حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن غزة وتدفق المساعدات الإنسانية بشكل مستمر إلى القطاع.
وأكد أن «أي خطوات حقيقية تستجيب للوضع الإنساني في فلسطين وغزة بإدخال الغذاء والدواء من شأنها أن تسهم في خفض التصعيد».
وكانت المقاومة اليمنية قد وسّعت مؤخراً عملياتها لتمتد باتجاه بحر العرب، وكذلك وسّعت من استهداف السفن المرتبطة بالكيان الإسرائيلي، لناحية العدد وطريقة الاستهداف، وبشكل بدا معه أن كل التهديدات التي تطلقها واشنطن هي بلا قيمة.

فرار شركات الشحن متواصل
ويأتي مسار التفاوض بعد انسحاب العديد من شركات الشحن العالمية الكبرى وإعلانها عن تعليق المرور عبر البحر الأحمر، ومنها شركة «ميرسك» الدنماركية التي تسيطر على حوالي 15 في المئة من حركة الشحن البحري العالمية، وقبلها شركة «هاباغ- لويد» الألمانية، ولن يتوقف الأمر هنا، إذ إن شركات أخرى اتخذت قرارات مماثلة من دون إعلان، ما يعني أن البحر الأحمر سيتحول قريباً إلى ساحة خالية للمقاومة اليمنية كامل السيطرة عليها.
وكانت القيادة المركزية الأميركية قد أعلنت أمس أن مدمرة صواريخ أميركية اشتبكت مع 14 طائرة مسيّرة أطلقتها المقاومة اليمنية، وأنها نجحت في إسقاطها، لكنه نجاح يُصاعد المخاوف الأميركية بدل تهدئتها، ويُعرقل إلى حد كبير جهود واشنطن لمنع توسع جبهة غزة إقليمياً، لذلك لا بد من التفاوض، حيث تجد واشنطن نفسها مجبرة عليه كما هي حال كيانها.
مع ذلك لا تكف واشنطن عن إطلاق التهديدات، وعن دفع حلفائها للقيام بالمثل، إذ نشر موقع «سيمافور» الأميركي اليوم مقالاً حول أن وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» تدرس إمكانية ضرب أهداف عسكرية للمقاومة اليمنية «أنصار الله» بشكل مباشر، مشيراً إلى أن مسؤولي إدارة الرئيس جو بايدن يشعرون بقلق متزايد من أن «أنصار الله» ومن يدعمهم يحاولون تقويض التجارة البحرية العالمية، ورفع تكاليفها على الولايات المتحدة وحلفائها.

أي خطوة عسكرية من واشنطن أو حلفائها في البحر الأحمر ستؤدي إلى تأجيج حرب إقليمية لذلك من المتوقع على نطاق واسع ألا تفعل وأن يكون التفاوض سبيلها

وحسب الموقع الأميركي فإن خطوط الشحن العالمية تعلّق تباعاً حركة بضائعها بعيداً عن البحر الأحمر إلى طرق تدور حول القرن الإفريقي ما يزيد بشكل كبير من أوقات العبور والتكاليف، وهو ما دفع المسؤولين الأميركيين «لبحث إمكانية توجيه ضربة إلى أنصار الله، في ضوء مخاوفهم من تأجيج حرب أوسع في المنطقة».
وكانت وسائل إعلام ألمانية قالت نقلاً عن مصادر عسكرية: إن الحكومة الألمانية تبحث إرسال الفرقاطة «هيسن» إلى البحر الأحمر بداية العام المقبل «للمشاركة في حماية طرق التجارة البحرية في البحر الأحمر»، وفي تصريحات لرئيسة لجنة الدفاع في «البوندستاغ» ماري أغنيس ستراك زيمرمان.

من حاكمة إلى محكومة
لكن الولايات المتحدة التي تسعى إلى عدم تأجيج الحرب في المنطقة، كما تقول، تدرك تماماً أن أي خطوة عسكرية منها أو من حلفائها، في هذا الاتجاه، ستؤدي إلى تأجيج الحرب، لذلك من المتوقع على نطاق واسع ألا تفعل، وأن يكون التفاوض سبيلها، خصوصاً أن مسألة تشكيل تحالف دولي- إقليمي في البحر الأحمر ليست في متناول يدها لكثير من الاعتبارات التي تحكمها في منطقة تغلي على نار حروب وأزمات قائمة بالأساس، وكل منها تهدد بتأجيج الحرب.
الأيام المقبلة قد تحمل تطورات مهمة على جبهة اليمن/ البحر الأحمر، قد تكون بدايتها بتوقيع هدنة جديدة على جبهة غزة.. لننتظر ونرَ.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار