الرئيس الأسد في الصين.. الطرق الدولية عنوان المرحلة
تشرين – إبراهيم شير:
منذ تسعة عشر عاماً لم يُجرِ الرئيس بشار الأسد زيارة إلى الصين، واليوم وبعد اثني عشر عاماً من الحرب المفروضة على سورية يتوجه الرئيس الأسد إلى بكين برفقة السيدة الأولى أسماء الأسد بدعوة رسمية من نظيره الصيني شي جين بينغ.
في البداية يجب أن نتحدث عن أجواء الزيارة فهي تأتي في وقت حساس داخلياً ودولياً، ففي الداخل السوري تحاول أطراف خارجية إشعال الأزمات، سواء في الجنوب أم في الشمال ووصولاً إلى الشرق، وعلى الرغم من ذلك يصطحب الرئيس الأسد السيدة الأولى ووفداً سياسياً واقتصادياً كبيراً ويذهب إلى بكين، والمسافة إلى بكين تستغرق نحو تسع ساعات طيران أي إنه زمن طويل نوعاً ما، والزيارة ستستمر أياماً عدة، وهذا يوضح أن القيادة السورية أقوى وأصلب من محاولات التشويش الداخلية والخارجية كلها.
الرئيس الأسد يسافر إلى الصين، التي تعد ثالث دولة غير عربية يزورها الرئيس الأسد في سنوات الحرب بعد روسيا وإيران، أبرز حلفاء دمشق في هذه المواجهة الدولية على الأراضي السورية.
الزيارة على الرغم من أن الهدف العام منها هو دعوة لحضور افتتاح الألعاب الآسيوية في هانغجو، فبالتأكيد ثمة ماهو سياسي واقتصادي أكبر من المعلن بكثير، فسورية تعدّ بوابة دول الشرق الرئيسة نحو أوروبا والمياه الدافئة، وأهم ما تريده بكين هو مواجهة الغرب في ملف المسارات والطرق الاستراتيجية التي تصل بين منطقة المحيط الهادي وأوروبا عبر الشرق الأوسط، سواء عبر مسار يمرّ من إيران إلى العراق ثم سورية أم عبر طريق آخر يمرّ عبر الإمارات والسعودية ويصل في النهاية إلى سورية أيضاً، وبالتالي يمكن لدمشق أن تؤدي دوراً محورياً في المسارات جميعها ويمكنها منع بعضها أيضاً، ما يشبه إلى حد كبير خطوط الغاز القطرية والتي كانت ستمر عبر المتوسط من سورية، وبالتالي كانت ستقتل روسيا على المدى البعيد، ووقوف دمشق في مواجهة الخط الأمريكي القطري وجدت موسكو فائدته اليوم عندما استخدمت الغاز في مواجهتها مع أوروبا.
الصين تعي تماماً أهمية سورية وجغرافيتها التي تجعلها دولة محورية في المنطقة وأنها عقدة ومفتاح لها، فعبرها تستطيع ضرب الطريق الدولي الأمريكي الذي يصل إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي، والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الإيجابية بين الصين ودول المنطقة وتحديداً إيران والعراق تجعل إحياء طريق الحرير الصيني قابلاً للتحقُّق الآن أكثر من أي وقت مضى، وإنهاء أي محاولة أمريكية لخنق بكين أو تنصيب واشنطن نفسها بوابةً لطرق التجارة الدولية القديمة الجديدة.
الصين دولة حليفة لسورية وقد قدّمت الدعم لها مرات عدة، خصوصاً في المحافل الدولية ومجلس الأمن الدولي، فامتنعت مراراً عن التصويت لقرارات تدين دمشق واستخدمت الفيتو أيضاً إلى جانب روسيا لوقف قرارات أخرى، بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سورية في شباط الماضي، أعلنت الصين إرسال مساعدات بقيمة 5.9 ملايين دولار وعمّال إغاثة متخصصين في المناطق الحضرية وفرقاً طبية ومعدات طوارئ، لكن دخول الصين الحقيقي والقوي والفعّال في سورية حتى الآن لم يجرِ.
يرافق الرئيس الأسد في زيارته وفد حكومي كبير أبرز من فيه وزيرا الخارجية والاقتصاد والتجارة الخارجية، ومعاون رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي، طبعاً بالإضافة إلى مسؤولين اقتصاديين آخرين، ورجال أعمال، ستكون أمام هذا الوفد مهمة حقيقية لا تقل أهمية وقوة عن العمليات العسكرية، إذ سيحاولون إقناع الشركات والمسؤولين الصينيين بتجاوز العقوبات الأمريكية المفروضة على دمشق والدخول في السوق السورية دخولاً أكبر.
مهمة إقناع المسؤولين الصينيين ورجال الأعمال في الانخراط بإعمار سورية مهمة كبيرة، ولكن من المهم تهيئة الأرضية اللازمة لمثل هذه الأمور.
الوفد الذي يرافق الرئيس الأسد لا يوجد فيه مسؤول عسكري بخلاف زيارته إلى موسكو، وهذا يظهر توجه الرئيس الأسد ونظرته إلى أهمية هذه الزيارة وما يريد منها وما يسعى إليه فيها، وذلك على الرغم من التفوق الصيني في المجال العسكري، بالإضافة إلى أنه يوجد عدد كبير من القضايا العسكرية المهمة بين البلدين خصوصاً في ظل وجود آلاف المتطرفين الإيغور في إدلب، الذين ينشطون في صفوف الجماعات الإرهابية المسلحة، ولكن على الرغم من ذلك تتطلع سورية إلى أهمية الزيارة السياسية و الاقتصادية وليس العسكرية فقط.