طريق الحرير يمر من هنا.. دمشق – بكين وحتمية تعزيز العلاقات: زيارة الرئيس الأسد للصين تموضع جديد لسورية ضمن الخريطة العالمية بأبعاد متعددة
تشرين – بارعة جمعة:
رمزية التوقيت وحساسية الموقف، جعلا منها زيارة تاريخية استثنائية، بعد انقطاع دام قرابة الـ20 عاماً، عن أجواء زيارات الدولة بين سورية والصين، اليوم تحلق الأنظار منتظرة نتائج زيارة الرئيس الأسد والسيدة الأولى أسماء الأسد للصين، بدعوة رسمية ولفتة اقتصادية سياسية يترجمها الوفد المرافق مدلولات كثيرة تحملها الأيام القادمة، بدءاً بالخطط الاقتصادية الداخلية والخارجية، وانتهاء بتحقيق الانتصار السياسي على العقوبات المفروضة على سورية، وذلك من مبدأ شريك الحرب هو شريك السلم، فما الذي ستحمله مخرجات الزيارة، وهل من انفراجات قريبة وحلول سياسية اقتصادية بالمدى المنظور؟!
حطيط: الزيارة هي تموضع جديد لسورية ضمن الخريطة الدولية وستفتح الباب أمام استثمارات واسعة بما تمتلكه الصين من الجرأة الكافية للدخول باقتصادها كرافع للاقتصاد السوري
رمزية الانتصار
قراءة سياسية للمشهد والتوقيت، قدمها الكاتب والباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية أمين حطيط من لبنان، مؤكداً من خلال حديثه لـ «تشرين» حول أبعاد الزيارة بالغة الأهمية لجهة المسألة الشخصية المتعلقة بإقدام الرئيس الأسد على مغادرة سورية بهذا الوقت الحرج، والذي إن دل على شيء فهو الثقة الكاملة، إلى جانب الثبات، عدا عن كونها صفعة لكل المغرضين والمروجين لمسألة اهتزاز سورية بموقعها الرسمي.
التوجه إلى الشرق الصاعد المتمثل بالصين، وجميعنا يعلم مكانتها في الكتلة الأوراسية وشنغهاي وبريكس وفي الاقتصاد العالمي ككل ما هو إلا تموضع لسورية ضمن بوتقة الصراعات الدولية برأي الباحث حطيط، ما يعني أن هناك انفتاحاً كبيراً تستفيد منه سورية بشكل كبير، فالجميع يعلم الحصار الاقتصادي المتمثل بقانون قيصر، وحجم الضرر المنوط به، لذا تأتي الزيارة اليوم بمثابة الرد على التدابير الأمريكية وفتح التعاون مع قطب مهم هو الصين لمواجهة العقوبات الأميركية.
ويضيف الباحث حطيط شارحاً المفاعيل الرئيسة للزيارة: أعتقد أن الـ4 أو 5 أيام التي ستشغلها التفاهمات ستفتح الباب أمام تطورات نوعية، بما تمتلكه الصين من الجرأة الكافية للدخول باقتصادها كرافع للاقتصاد السوري، وهي انعطافة في العلاقة الصينية – الإيرانية، والإيرانية – السورية، ما يشكل مثلثاً سيُحدث دفعاً للاقتصاد السوري.
رسالة سياسية
التعاون والتنسيق على الصعيدين الإقليمي والدولي بين سورية والصين يمثل نهوضاً بمكانة سورية في الأروقة الدولية والإقليمية برأي حطيط، والذي بدوره يشكل حافزاً لدول الإقليم للتملص من الضغوط الأمريكية واستثمار القنوات التي فُتحت مُجدداً بين سورية ودول الإقليم، بعد إعادة ترتيب الأوضاع مع الجامعة العربية و دولها.
ما ننتظره في هذه الفترة بالذات ليس دعماً عسكرياً صينياً يغير القوى، بل دعم استراتيجي عام، يغلق أبواب الشر الأمريكية بفتح أبواب الخير مع الشرق، وهو ما يُغضب الغرب ويزعجه أيضاً وفق توصيف الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور أمين حطيط لمخرجات الزيارة، التي لن نلمس مفاعيله الأساسية قبل عدة أسابيع من إنجازها، لارتباطها بقيام الدوائر الرسمية بكلا البلدين بالاستعداد لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، تحت عناوين اقتصادية أساسية يُعوّل عليها، وهو ما ينتظره الشعب السوري وسيحققه الرئيس بشار الأسد بزيارته للصين.
الموسوي: ما زلنا نعاني من ضعف العقل الاستراتيجي لناحية إدراك أهمية ومحورية سورية في كل المشاريع العالمية.. سورية تملك أوراقاً قوية في كل تفاوض وفي كل معركة
الزيارة هي تحدٍ للمشاريع الأمريكية خصوصاً منها ما يسمى «الممر الهندي» والذي هدفه تكريس كيان الاحتلال الإسرائيلي بصورة أكبر في المنطقة، من خلال الربط بين الهند و”إسرائيل” عبر دول خليجية.. توصيف دقيق لماهية البُعد السياسي للزيارة قدمها المحلل السياسي حسين الموسوي، إضافة للنهوض بالواقع الاقتصادي وإمكانية توقيع اتفاقية ثنائية بعيدة المدى، يعود الموسوي ليؤكد في حديثه لـ«تشرين» أهمية التداعيات الاقتصادية على الواقع السوري، لكون سورية نقطة محورية في مواجهة الصين مع الغرب بمسألة المسارات والطرق الاستراتيجية التي تصل بين منطقة الهادئ – الهندي وأوروبا عبر الشرق الأوسط، سواءً عبر
مسار يمر بإيران وآخر يمر عبر السعودية والإمارات، يمكن لسورية من خلاله أن تلعب دوراً حيوياً في جميع المسارات، كما يمكنها منع بعضها، والأمر نفسه ينطبق على خطوط الغاز وقصة قطر والمتوسط.
شراكة نوعيّة
توفر المناخات والإرادة السورية لإعادة الإعمار ضمن ظروف نضجت إلى حد مُطمئن.. ومعركة سورية وانتصارها على الإرهاب، جعل لهذه الزيارة أهمية خاصة برأي الخبير والباحث في الشؤون الاستراتيجية الدكتور سليم حربا، على أن تكون الصين شريكاً مهماً ورئيسياً فيها، وسط ازدياد دورها ووزنها النوعي بالبعد الاقتصادي والسياسي معاً، ما جعل الدبلوماسية الصينية المتطورة نوعياً مشكلة خرقاً مهماً في التقارب والاتفاق الإيراني – السعودي، ومرشحة كدور سياسي – أي الصين – للتصدي وحل المزيد من المشكلات العالقة بين الدول.
الصين بوزنها الاقتصادي وتزعمها لمنظمة بريكس وشنغهاي، وبوزنها السياسي المُتصاعد بثقة واضطراد، ووزنها العسكري والأمني الذي يشكل كابحاً لاستفزازات الولايات المتحدة الأمريكية وأطماعها في بحر الصين الجنوبي والمحيطين الهادي والهندي، ومن خلال الحاجة الدولية للصين، قالت – والحديث هنا للدكتور سليم حربا- بعض كلامها في الاقتصاد والسياسة والعسكرة، وما زال لديها الكثير لتقوله وتفعله، ولا سيّما أن أفعالها تتقدم على أقوالها دائماً.
حالياً التحركات لها أبعادها الاقتصادية، وسورية ما زالت تملك موقفاً حيادياً من الممرات الدولية الاستراتيجية، ربما للتريث وفق رؤية المحلل السياسي حسين الموسوي، هذه المشاريع تواجه عوائق لوجستية بنقل البضائع برياً وبحرياً، وهي مقدمة للمعركة بعيدة المدى التي تتوقع دراسات غربية أن تكون مع الصين.
بالمقابل نجد أن الرئيس الأسد قادر – وسط منافسة الغرب له – على إحياء مشروع الصين في المنطقة، فسورية دولة محورية لمروره بها، وقادرة بحسب طبيعة الصراع مع “إسرائيل” على تعطيل الخط ، لعدم تحول “إسرائيل” لمركز مهم في ربط سلسلة التوريدات بآسيا وشرق آسيا مع الغرب، وبالرغم من كل ذلك ما زلنا نعاني وفق قراءة المحلل السياسي حسين الموسوي للمشهد من ضعف العقل الاستراتيجي بتقدير ذواتنا، بأهمية ومحورية سورية بكل المشاريع العالمية، لعدم حصولنا على شيء من هذه المواقف كالتي تخص خط الغاز القطري مقابل الغاز الروسي، ما زلنا نملك أوراقاً قوية للتفاوض مع الحليف الصيني، الذي يعد الخيار الأفضل لبحثه دوماً عن الأسواق، وبذلك يمكننا تحويل سورية – بموجب اتفاقيات – لبلد منتج، وتوحيد الضرائب وخفض التعريفات بالتداول بالعملات المحلية وفتح الأسواق للبضائع السورية، لكن المسألة حساسة أيضاً برأيه، لإمكانية استثمار الصين أموالاً ضخمة في سورية، شرط أن تكون إنتاجية والاستفادة من الخبرات الصينية.
د. حربا: الصين بوزنها الاقتصادي والعسكري والسياسي تشكل كابحاً للولايات المتحدة وأطماعها.. الصين أفعالها تتقدم على أقوالها وما زال لديها الكثير لتفعله
تفعيل العمل المشترك
لا أحد ينكر أهمية الصين في حل الكثير من الأزمات الدولية، لذا تكبر الآمال بعودة الحياة والبدء بتفعيل الاتفاقيات الموقعة سابقاً، كالتي تم توقيعها في أول زيارة لرئيس سوري للصين، زيارة الرئيس الأسد لها في عام 2004، كما سيكون الجانب السياسي حاضراً بقوة أيضاَ برأي الدكتور سليم حربا، على خلفية التفهم الصيني والدعم السياسي لسورية، باستخدامها حق الفيتو في مجلس الأمن لأكثر من 12 مرة ضد محاولات أمريكا والغرب الانقضاض على سورية.
وضع خارطة طريق للتعاون الاقتصادي وإزالة آثار العدوان وما خلفه الإرهاب، وتأكيد أهمية سورية ودورها في مشروع الحزام والطريق الصيني وإحياء طريق الحرير، نظراً لموقع سورية وأهميتها الاستراتيجية البرية والبحرية كدولة مركزية شرق المتوسط أبرز أهداف الزيارة برأي الدكتور حربا، كل ذلك يضمن للصين موطئ قدم مهم لها في الشرق الأوسط، الذي تعده أمريكا مجالاً حيوياً لمصالحها وأمنها القومي، وربما هذا سيلجم أمريكا عن التمادي والتمدد باتجاه بحر الصين الجنوبي وعمليات استفزار الصين من خلال تايوان.
ما يحصل اليوم أشبه بما حصل سابقاً بين الصين وفنزويلا، والصين وروسيا وبيلاروسيا، هنا سنجد انعكاسات إيجابية وسريعة وملفتة، تدل على تحسن نوعي اقتصادي سياسي في سورية.
د. ديوب : سورية بالنسبة للصين هي استثناء أيديولوجي وهذا ما ستترجمه زيارة الرئيس الأسد لها وبما يفتح باباً أوسع لأفضل شراكة اقتصادية سياسية
جميعنا نعلم أنه منذ القِدم واليوم وحتى الغد سورية بالنسبة للصين هي استثناء أيديولوجي، كما تعملان للوصول لأفضل شراكة اقتصادية سياسية، فالرهان الصيني على سورية جيوسياسي اقتصادي، وهو ما تترجمه الزيارة الرسمية للرئيس بشار الأسد والسيدة أسماء الأسد على رأس وفد سياسي اقتصادي وفق رؤية استشاري الإدارة العامة في سورية وأستاذ كلية الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور أيمن ديوب لهدف الزيارة، التي ستُعيد عملية التنمية بالتمويل وعبر المساهمة بتخفيض العقوبات إثر الضغط الصيني المميز على مستوى العالم.
امتداد لتفعيل منظومة العمل العربي الصيني المشترك وخاصة بعد القمة العربية الصينية بالرياض، التي شجعت برأي الدكتور ديوب على مزيد من الانفتاح للصين على الدول العربية، إلى جانب اللقاءات الكبيرة على المستوى الاقتصادي للاستفادة والوصول للربط بين سورية والصين والعراق وإيران، التي ستلعب سورية دوراً كبيراً فيه بعد الزيارة، عدا عن التوجه والمساهمة بتطوير النظام المالي المصرفي في سورية واعتماد الدفع الخارجي بعيداً عن الدولار.
حلول مُستدامة
الانفتاح على الصين الاقتصاد الثاني في العالم يساعد في إيجاد الحلول للمشاكل والأزمات المزمنة للاقتصاد السوري، توصيف قدمته وزيرة الاقتصاد سابقاً الدكتورة لمياء عاصي يؤكد الدور الصيني في سورية، ولأن تعميق العلاقات بين البلدين أمر ضروي، خصوصاً في الجوانب التمويلية والإنتاجية، حيث جرت مقاربة لتلك المشاكل بشكل جذري ومستدام، والابتعاد عن الحلول السهلة المؤقتة بما فيها فتح الاستيراد على الغرب، الذي من شأنه تعميق المشكلات بدلاً من حلّها.
الوضع الاقتصادي الحالي مستمر بالدوران في دوامة شح الموارد العامة وارتفاع التضخم، وتدني الإنتاج الزراعي والصناعي، وأي حلول داخلية تُقدّم نجدها تعتمد على آليات لتنظيم المشكلة وليس حلها، لذا فإن التوجه شرقاً لا يكفي أو يكون حلاً مؤقتاَ برأي الدكتورة عاصي، للخروج من عنق الزجاجة في أزمات معقدة ومركبة، بل لا بد من اعتماده كنهج استراتيجي دائم لتحقيق النمو والتطور.
تقوية العلاقات مع الصين يمكن أن تشكل بداية جيدة للنهوض الاقتصادي الوطني لأسباب عدة اختصرتها الدكتورة لمياء عاصي بعدة نقاط تبدأ من العامل السياسي الذي يقف حائلاً ضد محاولات طلب الاقتراض أو الاستثمار في سورية، كما أن بنك التنمية الصيني هو بنك مملوك بالكامل للحكومة الصينية، وبالتالي يمكنه مراعاة اعتبارات الحكومة الصينية وتوجهاتها تجاه حكومات البلدان المُقترضة، عدا عن أن البنك يتميز بكونه يمنح قروضاً طويلة الأجل لجهة استحقاقها تصل لعشرين عاماً وفترة سماح بحدود عشرة أعوام، وفي حال تعثر الدول المفترضة عن سداد القرض لأسباب مختلفة، قد يخضع القرض بالكامل لتسهيلات إضافية تصل حد الإعفاء، وخاصة إن كانت من مبادرة الحزام والطريق.
علاقة استثنائية
الزيارة ستعزز العلاقات بين غرف التجارة والصناعة والزراعة والسياحة في سورية، عبر عقد اتفاقيات مشتركة ضمن هذا الإطار، تأكيدات قدمها الدكتور أيمن ديوب من شأنها تحسين معيشة المواطن السوري، في حال تم تطبيقها بعيداً عن البيروقراطية، حيث إن عودة الصين ضمن قنوات اتصال مباشرة ستفتح المجال لإطلاق آبار النفط وعودتها من جديد، والذي ستلعب الصين دوراً كبيراً بالبحث عنها والاستدلال عليها ومن ثم استخراجها.
توجيه الأنظار نحو الشق الاقتصادي لم يأتِ عن عبث، بل تمت ملاحظته من خلال الوفد الاقتصادي، الذي ترجم الزيارة بأبعاد اقتصادية واضحة برأي ديوب، لا تنفصل عن السياسة لأن سورية تؤمن بعملية التعاون المشترك، التي ستؤمن مستلزمات النهوض بالاقتصاد السوري، عبر فتح سوق صيني واسع لمنتجاتنا الزراعية خاصة، إضافة لجانب التصدير بما يحقق التوازن المطلوب لزيادة عجلة التصنيع بين البلدين.
د. عاصي: التوجه شرقاً لا بد من اعتماده للنهوض الاقتصادي.. وتعزيز العلاقات مع الصين بداية النهوض والخروج من عنق الزجاجة لناحية الكثير من المشكلات المعقدة والمركبة
توجه ليس بالجديد، بل كان ضمن خطابات السيد الرئيس دائماً بالاصرار على مبدأ شريك الحرب هو شريك السلم وشريك إعادة البناء والاعمار، وما التوجه للصين سوى مقدمة للانضمام لمنظمة بريكس والعمل ضمن منظومة تنموية، تمثل سورية البوابة الاستراتيجية لها على مستوى العالم، لذا سنشهد- والحديث للدكتور أيمن ديوب- تغيراً في الموقف العالمي تجاه سورية بعد الزيارة، وستتابع الدول عملية الانفتاح على سورية وستحذو الدول العربية حذو الصين، وسورية هي الكاسب الأكبر، بوجود الصين ورجال أعمال لم تنقطع زياراتهم إليها، فالشراكة استراتيجية يُعول عليها وجل ما نحتاجه القضاء على العقبات التي تواجه تنفيذ الاتفاقيات.
الصين ستكسب الرهان على سورية كدولة نامية بتحويلها لدولة متقدمة والنهوض بها، تطمينات قدمها الدكتور في كلية الاقتصاد جامعة دمشق أيمن ديوب، تثبت الرغبة الحقيقية لكلا الطرفين بإعادة الاعمار التي هي هدف الجانبين للـ 5 سنوات القادمة.