عندما تكون الجغرافيا حاكمة جاذبة.. سورية جزء أساس لا غنى عنه في مبادرة «الحزام والطريق».. بكين نحو تثقيل رصيدها الاستراتيجي في المنطقة بعلاقات أوسع مع دمشق

تشرين- هبا علي أحمد:
فتح انضمام سورية إلى مبادرة «الحزام والطريق» الصينية بداية عام 2022 الباب واسعاً على مرحلة جديدة أكثر عمقاً و رسوخاً في العلاقات الصينية – السورية، ورسم أهم معالم العلاقة وسبل تطويرها، من هنا فإنّ في زيارة السيد الرئيس بشار الأسد للصين التي تبدأ اليوم، لا بدّ وأن تكون تلك المبادرة المهمة لسورية والصين والعالم بقاراته كأحد الممرات الاقتصادية العالمية الجديدة على رأس جدول أعمال الزيارة التي تتزامن مع الذكرى العاشرة لإطلاق المبادرة، حيث تعقد بكين مؤتمراً لهذه المناسبة الشهر المقبل.

سورية وبحكم موقعها الجغرافي ومكانتها الإقليمية ودورها السياسي كانت تاريخياً جزءاً من طريق الحرير.. وتالياً هي جزء من الحزام والطريق لكن الحرب أخّرت الانضمام إليها

في مقابلة مع قناة «فينيكس» الصينية 2019 أكدّ الرئيس الأسد أهمية مبادرة «الحزام والطريق» بقوله: المبادرة التي أطلقتها الصين شكّلت تحولاً استراتيجياً على مستوى العلاقات الدولية في العالم حيث تعتمد على الشراكة والمصالح المشتركة عوضاً عن محاولات الهيمنة التي يتبعها الغرب، لافتاً إلى أنّ الصين كدولة عظمى تحاول أن تعزز نفوذها في العالم بالاعتماد على الأصدقاء والمصالح المشتركة التي تؤدي إلى تحسن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية لدى كل الدول الموجودة في هذه المبادرة، وتعزيز الاستقرار والازدهار في العالم.
وتمثل بكين لدمشق أهمية كطرف دولي لاعب ومؤثر وقف إلى جانبها على مدار الحرب واستخدم الفيتو 16 مرة لإحباط مشاريع أمريكية – غربية تستهدف سيادة سورية واستقلالها، إضافة إلى أهميتها الاقتصادية من حيث حاجة سورية لدعمها في عملية إعادة الإعمار والنهوض بالاقتصاد، في المقابل فإنّ سورية تمثل بموقعها الجغرافي الاستراتيجي في المنطقة ومكانتها الإقليمية ودورها في المعادلات السياسية، تمثل أهمية ورصيداً للصين، ولاسيما في إطار مبادرة «الحزام والطريق» حيث تقع سورية على أحد أهم خطوطها الاقتصادية، فأحد أبرز طرق وصول الـ «حزام والطريق» إلى أوروبا يمرّ بالبحر المتوسّط، ما يعني المرور بسورية من العراق وإيران وقبلها أفغانستان وباكستان.

تقع سورية على أحد أهم الخطوط الاقتصادية لمبادرة الحزام والطريق حيث تشكّل ممراً عبر البحر المتوسط إلى أوروبا من العراق وإيران وقبلهما باكستان وأفغانستان

بلمحة موجزة نستطيع القول إنّ الجغرافيا هي الحاكمة والجاذبة في آن معاً، فإن عدنا إلى طلب سورية بالانضمام إلى المبادرة نستطيع التأكيد أنه حتى لو لم تطلب الدولة السورية الانضمام لكانت الصين تقدمت بدعوتها للانضمام، إدراكاً من بكين لأهمية الموقع الجغرافي لسورية كعقدة وصل بين الشرق الأوسط وأوروبا، ومن المعروف للجميع أنّ سورية وبحكم موقعها الجغرافي ومكانتها الإقليمية ودورها السياسي كانت تاريخياً جزءاً من طريق الحرير، ومنذ إطلاق مبادرة «الحزام والطريق» والتي تشكّل أكبر مشروع للقرن الحالي كانت سورية جزءاً منها كما هو مرسوم لهذه المبادرة، لكن الحرب عليها أخّرت انضمامها الفعلي للمبادرة، بل ربما كان من أحد أسباب هذه الحرب هو رغبة سورية بالانضمام إلى هذه المبادرة وتشجيعها لها، ولذلك فقد وقفت الصين سياسياً واقتصادياً الى جانب الشعب السوري.
وانطلاقاً من النقطة السابقة تسعى الصين إلى جانب غيرها من الحلفاء إلى مساعدة الدولة السورية في توفير عوامل الأمن والاستقرار، وبما ينعكس حكماً على الاقتصاد وتأمينه للجانبين، أي أنّ المصلحة مشتركة، وكما تعود بالفائدة على سورية في مساعيها للتعافي من الحرب سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، تعود بالفائدة ذاتها على الصين اقتصادياً وهي في طريقها لتثبت مبادرتها الاقتصادية ولا سيما في المرحلة الراهنة التي تنطلق خصوصيتها وخطورتها في آنٍ معاً من خلال الإعلان عن ما يسمى الخط أو الممر الهندي «الهند – الخليج – الكيان الصهيوني- أوروبا» خلال قمة العشرين الأخيرة في الهند، الأمر الذي يعيد إلى الواجهة الصراع الدولي الإقليمي العالمي عبر الممرات البرية والخطوط البحرية.

ويرى محللون أنّ سورية تشكّل فرصة اقتصادية استثمارية واعدة في مختلف المجالات والقطاعات وبالتالي تتلاقى مصالح كلا الطرفين، وفق الأسس والمبادئ التي ترتكز عليها السياسة الصينية وعلى قاعدة الاحترام المتبادل لسيادة كلا البلدين وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، من هنا فإن انضمام سورية إلى المبادرة – كما تشير المعلومات – يعزز التعاون بين دمشق وبكين في مجالات عدة، منها تسهيل التبادل التجاري وإعادة
إعمار البنى التحتية والطّاقة الكهربائية والطّاقة البديلة، ولاسيما أنّ الجانب الصيني – مع التوقيع على الانضمام – قدّم مجموعة من المقترحات لربط مجموعة من الطرق البحرية والبرية، لتسهيل التبادل التجاري مع الدول المجاورة وإنشاء مناطق تجارية إلى جانب إنشاء محطات توليد كهرباء، ومن شأن تنفيذ هذه المقترحات أن يُسهم بعملية التنمية الاقتصادية عبر مشاركة الشركات الصينية بمرحلة إعادة الإعمار إلى جانب التغلب على العقوبات القسرية أحادية الجانب المفروضة على سورية، وتشير المعلومات أيضاً إلى أنّ الاتفاقية تعمل على «تحويل دمشق إلى مركز تجاري رئيسي بين إيران وتركيا والعراق، ضمن شراكة مستقبلية» ولا شك في أنّ الولايات المتحدة تعدّ ذلك «تهديداً لمصالحها ونفوذها في منطقة ذات أهمية أمنية استراتيجية وأهمية اقتصادية».

سورية تشكّل فرصة اقتصادية استثمارية واعدة في مختلف المجالات والقطاعات وهنا تتلاقى المصالح الثنائية وفق الأسس والمبادئ التي ترتكز عليها السياسة الصينية القائمة على الاحترام والمنافع المتبادلة

ويمكن القول إنّ انضمام سورية إلى المبادرة الاقتصادية الصينية مرّ بالعديد من المراحل منذ زيارة المستشارة الخاصة في الرئاسة السّورية الدكتورة بثينة شعبان إلى الصين في عام 2017، وكذلك زيارة وزير الخارجية الراحل وليد المعلم إلى بكين في عام 2019، وخلال هذه السنوات كانت سورية مشاركة وحاضرة في الفعاليات كلها التي تقيمها الحكومة الصينية والمتعلقة بهذه المبادرة، وخلال زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى دمشق في2021، تمّ التوقيع بالأحرف الأولى على انضمام سورية لهذه المبادرة، والتي تُوجت بالانضمام النهائي العام الماضي، والذي يلبي الرؤية السياسية لسورية المتمثلة بالتوجه شرقاً، وبالتالي تحقيق الهدف المُعلن من مبادرة الحزام والطريق، وهو وصول البلدين إلى معادلة (رابح رابح) كما يرى مراقبون.
وتهدف مبادرة «الحزام والطريق» التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ في عام 2013 إلى ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية، وربط أكثر من 70 بلداً (تمثل أكثر من ٦٠% من سكان العالم وتوفر حوالي ثلث إجمالي الناتج العالمي) عبر بناء طريق نقل من آسيا إلى أوروبا تصل لنحو 10 آلاف كيلومتر من الطرق، أي ربط قارة آسيا مع قارتي إفريقيا وأوروبا عبر شبكات برية وبحرية، وذلك في سبيل تعزيز التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين بلدان العالم، وبتكلفة تصل إلى ٨ تريليون دولار، وتاريخ الانتهاء المستهدف للمشروع ٢٠٤٩ والذي يتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.
وبدأ تنفيذ المبادرة عام 2017 وحقّقت نجاحاً واضحاً في عقد اتفاقات مع 150 دولة وأكثر من 30 منظمة دولية للتعاون الاقتصادي عبر إقامة بنى تحتية للمشروع من طرق وجسور وسكك حديد وموانئ، وأُنِفقَ على المشروع تريليون دولار، وكانت تجربة أولى لجدوى المشروع قد نُفذت بإرسال قطار حاويات من الصين إلى المملكة المتحدة، حيث قطع المسافة بـ14 يوماً، بينما تحتاج ناقلة حاويات بحرية إلى 33 يوماً للوصول من الصين إلى أوروبا مروراً بقناة السويس.
وتضم مبادرة الحزام والطريق ٦ ممرات وهي:
– الممر الاقتصادي بين الصين ومنغوليا: ويضم الممر اثنين من الشرايين الرئيسية: واحد يمتد من إقليم بكين – تيانجين – خبي إلى هوهيهوت ومنغوليا وروسيا؛ ويمتد الآخر من مدن داليان وشنيانغ وتشانغتشون وهاربين ومانتشولي الصينية إلي تشيتا الروسية.
-الجسر البري الأوراسي الجديد: هو ممر دولي يربط بين المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي، ويختلف عن الجسر البري السيبيري الذى يمتد من ميناء فلاديفوستوك بشرقي روسيا إلى موسكو حتى دول أوروبا الغربية، يذهب من المدن الساحلية الصينية ليانيونقانغ وريتشاو إلى روتردام الهولندية وأنتويرب البلجيكية، ويمتد خط السكك الحديدية الذي يبلغ طوله 10800 كيلومتر عبر كازاخستان وروسيا وبيلاروسيا وبولندا وألمانيا، ويخدم أكثر من 30 دولة ومنطقة.
– الممر الاقتصادي بين الصين وآسيا الوسطى وغرب آسيا: ويربط هذا الممر بين الصين وآسيا الوسطى وغرب آسيا وشبه الجزيرة العربية، حيث إنّ هذا الممر الذي يغطي المنطقة الشاسعة يتبع مسار طريق الحرير القديم.
ويبدأ الممر من منطقة شينجيانغ الصينية ويعبر آسيا الوسطى قبل الوصول إلى الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط وشبه الجزيرة العربية، وهو يعبر خمسة بلدان في آسيا الوسطى، ما فيها كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان و17 بلداً ومنطقة في غرب آسيا بما في ذلك إيران والسعودية وتركيا.

– الممر الاقتصادي بين الصين والهند: يمتد بين الصين والهند عبر دلتا نهر اللؤلؤ الصينية وطريق نانتشونغ – قوانغآن السريع وسكة حديد ناننينغ – قوانغتشو السريع إلى هانوي وسنغافورة.
– الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان: ويبدأ الممر الذى يبلغ طوله 3000 كيلومتر من كاشجار الصينية وينتهي في جوادار الباكستاني ويربط الحزام الاقتصادي لطريق الحرير في الشمال وطريق الحرير البحري للقرن الـ21 في الجنوب.
– الممر الاقتصادي بين بنغلاديش والصين والهند وميانمار: بهدف ربط السوقين الهائلين للصين والهند وتعزيز الربط الإقليمي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار