مهرجان آلة البزق الثاني عشر.. ستة أيام من الجمال والأصالة

تشرين- إدريس مراد:
تضمنت فعاليات مهرجان آلة البزق وعائلته هذا العام معزوفات ووجوهاً جديدة، ومجموعات موسيقية تقدم لأول مرة، أبرزها في يومها الخامس عندما اجتمعت عشر آلات طمبور لتشكّل أوركسترا صغيرة وقدمت ألحاناً تراثية تنتمي إلى منطقتي عفرين والجزيرة السورية، والحدث البارز أيضاً هو تلك الجلسة التي تمت فيها مناقشة أساليب العزف على آلة البزق في سورية وتركزت على مدرستي أمير البزق محمد عبد الكريم ومدرسة الأمير الثاني سعيد يوسف وأيضاً الجانب الأكاديمي من هذه الآلة الذي يمثله الموسيقي محمد عثمان، وتطرق النقاش إلى آلة الطمبور القديمة وطريقة عزفها من دون ريشة كما كان يعزفها الآباء والأجداد، حيث كرّس العازف أكرم نازي المشارك في المهرجان تجربته في سبيل بقاء هذا الأسلوب إلى يومنا هذا، وأيضاً لأول مرة تشارك ثماني عازفات على هذه الآلات حيث عرفت قديماً بأنها حكر على الذكور فقط.

برنامج منوّع
هكذا وعلى امتداد ستة أيام امتزجت فيها الألحان الشعبية والأكاديمية منها قدمت إفرادية “صولو” وأخرى بمرافقة آلات موسيقية مختلفة، ففي يوم الأول أدى عازف البزق البارع بحري التركماني برفقة مجموعة آلات بعض السماعيات واللونغايات والفيروزيات، واليوم الثاني جاء منوعاً بين مسعود سليمان القادم من القامشلي وشكري سوباري ومحمود كرداهولي، أما السهرة الثالثة فتركزت على العزف المنفرد مع العازف ريفان إبراهيم القادم من الشهباء وأكرم نازي من حلب وعبد الله علو وشريف بارافي من القامشلي، إضافة إلى العازف الشاب مكسيم فرحو ومجموعته، ليكون يوماً خاصاً لآلة الطمبور بكل أشكالها، ليأتي اليوم الرابع ويقدم بعض التجارب الأكاديمية، حيث أدت روضة كنايسي خريجة المعهد العالي للموسيقا اختصاص بزق برفقة آلة البيانو بعض المقطوعات الموزعة، ومن ثم غاندي حنا المدرّس في كلية الموسيقا بحمص برفقة الكيبورد وبعده العازف آلان دريعي الذي جاء من عامودا ليقدم بعض الألحان الجزراوية برفقة آلة الغيتار، أما اليوم الخامس إضافة إلى جلسة النقاش التي تحدثنا عنها، فخصص للوجوه الشابة وجميعهم جاؤوا من حلب منهم: روني حسكو وعبد الرحمن قلندر ومجموعة أخرى من ضمنها أربع عازفات، حيث أدت أعمالاً تراثية موزعة بين عشر آلات طمبور والباغلمة، أما الختام فقدم الموسيقي بهجت سرور مع مجموعته بعض الأعمال المعاصرة بطريقة أكاديمية، وكان ختام المهرجان مع عازف البزق آلان مراد بمرافقة آلة الكونترباص وغيتار بيز وكيبورد وآلتي إيقاع حيث جذب الحضور بطريقة أدائه واختياره لبرنامج منوّع، تضمن سماعي وجورجينا وأم كلثوم وزكي ناصيف بانسجام واضح بين كل الآلات.

من رحم الحضارات
تعد آلة الطمبور هي الأم في هذه العائلة ويعود عمرها إلى ما قبل الميلاد بمئات السنين، وطوّرت منها آلتا البزق والباغلمة، استخدمت آلة الطمبور في الطقوس الوثنية والديانات القديمة، وتستخدم حتى يومنا هذا عند العديد من المعتقدات كآلة مقدسة، حيث يجتمع ما لا يقل عن ألف عازف للأداء معاً وبانسجام مذهل ينشدون من خلالها ويمجدون الخالق والإنسانية، وهناك من يعتقد أنه يستطيع أن يثأر من أعدائه بالعزف على هذه الآلة أي الثأر بالموسيقا.
عموماً الآلات الموسيقية البدائية التي صنعها الإنسان كلها تشبه بعضها، بدليل أن الطفل عندما يحاول أن يخترع لنفسه آلة موسيقية في أي بقعة من الأرض يصنعها من المخلفات المنزلية البسيطة، هكذا كانت بداية البشرية في صناعة الآلة الوترية البدائية “خشب، جلد حيوان، شعر من ذيل الحصان أو أي حيوان آخر وهكذا.. ومع نشوء القوميات طوّرت كل منها هذه الآلات حسب حاجة ألحانهم، وما هو مؤكد أن آلة الطمبور خرجت من مناطقنا ولاسيما منطقة ما بين نهري دجلة والفرات، وهي الآلة التي يعزف عليها المشارك في المهرجان أكرم نازي، والمؤكد أن الآلة التي يستعملها لم يتغير شكلها على الأقل منذ ثلاثمئة عام، وتستعمل حتى الآن في منطقة الجزيرة السورية ومنطقة عفرين، حيث تعزف عليها الملاحم وأغاني العشاق كملحمة مموزين مثالاً.

الطمبورة
الطمبورة أو الطمبور هي آلة وترية قديمة، تمتاز بعنق طويل “الزند” وصندوق بيضوي الشكل مغلق مع فتحة من الجانب الأيمن يشد عليها وتران مزدوجان أو ثلاثة حسب رغبة العازف وتتركز على الزند مجموعة من الدساتين التي تحدد العلامات الموسيقية يختلف عددها من عازف إلى آخر، ويعد محمد عارف الجزراوي من أشهر عازفي هذه الآلة في بداية القرن العشرين.

البزق
آلة البزق هي وترية من عائلة الطمبورة وتختلف عنها بفتحة على الصدر، وتمتاز بصوت أكثر حدة ونعومة في آن واحد، يتألف من وترين مزدوجين “صول ودو” وتستخدم عند العديد من الشعوب وخاصة الشرقية منها، ويعد أمير البزق محمد عبد الكريم من أبرز عازفيها في بداية الستينيات من القرن الماضي ومن بعده الموسيقار سعيد يوسف الذي أدخل آلة البزق إلى منطقة القامشلي.

الباغلمة
الباغلمة من عائلة الطمبورة والبزق، تختلف عنهما من حيث المقاييس، فالصدر أكبر والزند أقصر، ودوزانه مختلف “صول، فا، دو”، أشهر عازفيها على الإطلاق الموسيقي عارف ساغ، ويمكن العزف على آلة الطمبور بدوزان الباغلمة.
من الجدير ذكره أن مهرجان آلة البزق الثاني عشر بدأت فعالياته بتاريخ 23 أيار 2023 على مسرح الحمراء وبرعاية من وزارة الثقافة- مديرية المسارح والموسيقا واختتمت بتاريخ 28 أيار، حيث كان موعد جمهور دمشق وعلى مدى ستة أيام مع أجمل الألحان وأمهر عازفين على آلة البزق والطمبور والباغلمة، أتوا من مختلف المناطق السورية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار