محطة “سمرقند” على طريق عالم متعدد الأقطاب

عبدالمنعم علي عيسى:

ضمت “منظمة شنغهاي” للتعاون منذ الإعلان عن تأسيسها في حزيران من العام 2001، ست دول هي روسيا والصين وقيرغيزستان إلى جانب كل من طاجيكستان وكازاخستان وأوزباكستان، ثم توسعت الدائرة بانضمام باكستان والهند .
ما تلا ذلك هو أن المنظمة راحت تطرح مصطلحات من نوع “عضو مراقب” الذي حملته مؤخراً دول مثل: أفغانستان و إيران وبيلاروسيا ومنغوليا، و عضو ” شريك للحوار ” الذي حملته كل من تركيا و أذربيجان في قمة ” سمرقند ” التي انعقدت يومي 15 و 16 من أيلول الجاري .
لقد أعلنت المنظمة منذ إطلاق بيانها التأسيسي أنها تهدف ” للتعاون في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية” بين الأعضاء المنضوين تحت رايتها، ثم أشار بيانها سابق الذكر إلى أن المنظمة تعمل على توسعة نطاق عملها بما يضمن خلق فضاءات قادرة على تحقيق أهدافها ، فيما سلسلة الأهداف هنا متعددة لكن الأهم منها يتمثل في الوصول إلى “عالم متعدد الأقطاب”.
يدرك صانعو القرار في المنظمة أن هدفاً بحجم الوصول إلى عالم متعدد الأقطاب لا يمكن أن يتأتى بفعل تأسيس منظمة هنا أو أخرى هناك ، وإنما يأتي انعكاساً لحقائق اقتصادية تقود بالضرورة إلى إرساء نظيرة سياسية لها، وهذا بالتأكيد يحتاج للمزيد من الوقت الذي يجري فيه مراكمة المزيد من تلك الحقائق الكفيلة بإحداث انزياحات وازنة من النوع الذي يفرض “الهدف” كحقيقة واقعة على الأرض.
هنا يمكن القول إن قمة “سمرقند” كانت خطوة هامة على الطريق آنف الذكر ، وقد حملت بين ثناياها العديد من المؤشرات التي تشي بنجاح القيمين عليها في تحقيق اختراقات وازنة داخل نسج كانت حتى الأمس تبدو عصية على الاختراق، فهي ، أي القمة ، شهدت مشاركة خمس دول عربية هي مصر والإمارات العربية جنباً إلى جنب الكويت والبحرين وقطر ، ومن الواضح أن جل تلك الدول تصنف في خانة الحليف للولايات المتحدة، والأهم هو أن الفعل كان قد جرى بالرغم من ممارسة الأخيرة لضغوط كبيرة على تلك الدول لمنع ذهابها في الاتجاه الذي ذهبت إليه ، وهو الأمر الذي أكدته سهام كمال العضو في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان المصري عشية تأكيد بلادها لقرار المشاركة في القمة، وهذه المشاركة إذ تعكس انفتاحاً سياسياً عربياً يرتكز في قوامه على توسيع قاعدة مصالحه الإقليمية والدولية بعيداً عن إملاءات الغرب ، فإنه أيضاً يمثل جنينا لرسم خارطة التوازنات الدولية في عالم ما بعد 24 شباط 2022 .
لكن يمكن القول إن الحدث والتطور الأبرز في القمة التي جاءت في الذكرى الحادية والعشرين لتأسيس المنظمة ، هو الدعوة إلى “توحيد العملة ” بين الأعضاء ، والطرح الذي جاء للمرة الأولى العام 2021 على لسان مساعد وزير الخارجية الإيراني ، كان قد ذكره الرئيس الروسي قبيل أيام من انطلاق قمة سمرقند قائلاً أن :” روسيا والصين تسعيان لتطوير عملة احتياطية جديدة مع دول البريكس لخلق توازن دولي في النظام الاقتصادي العالمي” ، الجدير ذكره هنا أن مجموعة ” دول البريكس ” التي تأسست العام 2009 تضم كلاً من البرازيل وجنوب إفريقيا إلى جانب دول “شنغهاي” .
من شأن السير في خطوة كهذه أن يؤسس لتقليص ” الفجوة الاقتصادية ” القائمة ما بين ” شنغهاي ” والغرب ، بل من شأنها أيضاً أن تحدث هزة للاقتصاد العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية ، مع الإشارة إلى أن المعطيات تقول أن منظمة ” شنغهاي ” تمتلك عناصر قوة كبيرة من نوع تمددها الجغرافي الواسع ، ثم احتواؤها على 44 % من سكان المعمورة ، وهي تضم في عضويتها أربع دول نووية ناهيك عن أنها تضم الجيوش التي تحتل ثاني وثالث و رابع أقوى الجيوش العالمية، وهي الصين و روسيا والهند على التوالي، لكن نقطة الضعف الأبرز فيها هو أن ناتجها لا يمثل سوى أكثر قليلاً من ربع الناتج العالمي ، الأمر الذي يفسر التركيز على هذا الاتجاه الذي لن تكون ” سمرقند ” سوى محطة أولى فيه .
قد يكون المسار طويلاً ، وهو يحتاج بالتأكيد إلى مزيد من التلاقيات ومزيد من الجهود ، لكن ثمة جنين تمخض عن ” 24 شباط 2022 ” وقد نجحت عملية التصاقه بالرحم ، أما نجاحه في إتمام ” شهوره التسعة ” اللازمة لنجاح الولادة ، فهو رهين بما سيجري في تلك الشهور .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار