روبوتات الحياة الإلكترونية والانفصال عن الواقع
هدى قدور
الحياة الإلكترونية أصبحت أمراً واقعاً سيطغى مع الوقت ويتطور بشكل لا يتخيله الإنسان، إنها تدميرية غريبة يتميز بها الجنس البشري عن بقية الكائنات التي بقيت منسجمة مع الطبيعة بسبب محدودية إمكاناتها العقلية التي تعدّ نعمة في هذه الحالة. كل شيء سيصبح إلكترونياً، المشاعر والعلاقات والمعاملات الرسمية ورائحة العطور والكتابة والرسم والموسيقا والتمثيل، هكذا ستتحول البشرية إلى كومة خردة بغض النظر عن الفوائد التي ستجنيها الحضارة أو أصحاب رؤوس المال من هذا التطور الذي تعدّ سلبياته أكبر من إيجابياته.
لقد تنازل الجنس البشري عن مكانته منذ اللحظة التي صنع فيها الروبوت المطور القادر على التفكير والشعور بالأحاسيس المختلفة، وبالتالي فإن ما تنبأت به أفلام الخيال العلمي لن يكون بعيداً عن التحقق خلال السنوات القادمة، حيث ستسيطر تلك المخلوقات على الأرض وتبدأ بإنهاء أسيادها البشر الذين سيعانون من خروج الوضع عن السيطرة نتيجة قدرة تلك الكائنات الإلكترونية على تطوير ذاتها وقيامها بتأسيس معامل للشرائح والذواكر وأساليب الشحن واستخدام مواد تشبه الأدمة البشرية بحيث لا يمكن التمييز بين الآليين والبشر.
كنا نقرأ عن وصول شباب بعض الشعوب المترفة إلى الانتحار بسبب الملل وانعدام التجديد في حيواتهم التي جربوا فيها كل شيء، ويبدو أن البشرية في جانبها المتطور الباذخ والمترف تعمم تلك القاعدة على بقية الشعوب الفقيرة التي ستكون فئران تجارب في المراحل القادمة أثناء الحروب واختبار الفيروسات ومدى قدرة الشرائح المزروعة في الأجساد على التحكم بإمكانات المخ وتسييره عن بعد.. إلى أين تسير البشرية؟ لا أحد يعرف.
فبعد اختراع القنبلة النووية واستخدامها بكل صفاقة، ظهرت البشرية ميالة إلى التدمير الذاتي، حتى وإن كان ذلك يتم ضد الآخر، فهو في النهاية سيقلب الطاولة على الجميع، وقد بدأ ذلك بالفعل عندما تسابق البشر لصناعة تلك القنبلة وبات العديد من الدول يمتلك تقنياتها اليوم.
تصريح العلماء بأن جميع الحيوانات الموجودة على الأرض يمكن أن تمارس القتل عند الإحساس بالجوع، إلّا الإنسان الذي يمارس القتل لمجرد القتل، هو أمر واقع فعلاً، وليس الانهماك الدائم بتطوير أدوات التدمير المادية والنفسية ضد السلوكيات الإنسانية إلّا دليل على هذا الأمر، فالحسابات المنطقية تؤكد أن الدائرة تضيق على سكان الكوكب الأزرق، وأن الاحتباس الحراري يرتفع بسبب الاعتداء على الطبيعة، كأن المسيطرين على العالم مجموعة من المهووسين بالمال والسيطرة واستعباد الآخرين، أولئك الذين لم يفكروا بالحياة التي يتركونها لأحفادهم، عبارة عن مرضى نفسيين ربما تسببوا في إنهاء حضارات بشرية سابقة نشأت على الأرض ولم يصلنا منها شيء للأسف بسبب نسبة التدمير التي حصلت.
كل هذه التوقعات والأفكار طرحتها سينما الخيال العلمي واليوم نكتشف ملامح تحققها على الأرض للأسف.
لنتخيل أن الحياة بكل جمالياتها وأدبها وفنونها وطبيعتها الخلابة، يمكن أن تشوه وتنتهي نتيجة تجريب الحياة الجديدة التي تظهر علاماتها في الحروب البيولوجية التي تغزو العالم منذ عدة سنوات ويمكن أن تتطور في المستقبل إلى أوبئة إلكترونية! فالبشرية مدعوة إلى العودة للفطرة والطبيعة حتى لو اضطر الأمر إلى سكن الكهوف والاعتماد على الصيد والالتقاط الذي مارسه الإنسان الأول. كل هذا يبدو أفضل من عقيدة الإفناء الذاتي التي يقوم بها البشر باندفاع لا يفسره سوى أنهم مرضى نفسيون بحاجة للعلاج، لكن للأسف حتى الطبيب صار روبوتاً!.