إفريقيا في الواجهة.. لافروف وماكرون وواشنطن بينهما
مها سلطان:
السؤال الأبرز الذي يحضر فوراً عند متابعة مجريات الجولتين المتزامنتين اللتين قام بهما كل من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، هو: من أين تأتي القيمة السياسية والجيوسياسية العالية للقارة الإفريقية، فيما جميع دولها تقريباً تقبع على -أو تحت- خط الفقر، أو تشهد انقلابات واضطرابات وحروباً أهلية، هذا عدا عن تسلط الغرب الاستعماري عليها حتى اليوم.. بمعنى أنها بلدان ليس فيها أي نوع من الاستقرار، فكيف تستطيع روسيا المراهنة عليها، أو لماذا تستمر أوروبا أو الولايات المتحدة بإصرار على البقاء فيها والدخول في صراع مع روسيا عليها؟
أولاً، لا بد من ملاحظة أن جولة لافروف تركزت على شرق إفريقيا، حيث البحر الأحمر الذي هو أحد أهم طرق النفط حول العالم (وهو أيضاً الطريق البحري لمشروع الحزام والطريق الصيني للشرق الأوسط وأوروبا).
ثانياً، تشكل الدول الإفريقية أكبر كتلة تصويت جغرافية في الأمم المتحدة ومنظماتها، وداخل أهم المؤسسات الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية العالمية، وإذا ما اتخدت مقعداً دائماً لها في مجلس الأمن (حسب ما تطالب في إطار إصلاح مجلس الأمن، والمنظمات الأممية بشكل عام) فإن أهميتها ستصبح في حدها الأعلى بالنسبة لكل الدول، وبالنسبة لروسيا بشكل خاص في المرحلة التاريخية المهمة التي تمر بها، ويمر بها العالم، لناحية حرب أوكرانيا، وأي وضع عالمي ستقود إليه.
ثالثاً، الموقف الغربي ضد روسيا، على خلفية عمليتها في أوكرانيا، لم يكتسب زخماً في القارة الإفريقية، بل على العكس، تبدي حكوماتها استعداداً مفتوحاً لقبول «بدائل» عن الغرب، خصوصاً روسيا.
تكلفة الشراكة مع روسيا بالنسبة لإفريقيا لاتكاد تذكر، أما الغرب فهو يتمترس بكل من صندوق النقد والبنك الدوليين اللذين ينهبان الدول الإفريقية (وغيرها) بقروض ومنح تكسر ظهرها، وفي النتيجة، لا تنمية تتحقق، ولا نهوض اقتصادي يلوح في الأفق، بل ديون وعجز وفقر ومجاعة.. وتالياً اضطرابات وحروب أهلية.
رابعاً، التقدم الروسي في إفريقيا يتزامن مع اتساع حالة «التمرد» للدول الإفريقية ضد الوجود الفرنسي بشكل خاص، والأوروبي عموماً، لذلك فإن ماكرون (ومن سبقه) عندما يزورون إفريقيا يتم استقبالهم بتظاهرات الرفض والطرد، والتذكير بالماضي الاستعماري الذي ما يزال حاضراً في إفريقيا ، وسيستمر مستقبلاً في حال لم تتجه دولها نحو قوى أخرى تبدي استعدادها للدعم والتنمية مثل روسيا والصين.. إلى جانب تكتلات اقتصادية أخرى مهمة مثل مجموعة بريكس وأبوابها المفتوحة أمام الدول الإفريقية للانضمام إليها.
خامساً، اختار ماكرون أن تكون جولته في دول غرب (ووسط) إفريقيا بعد أن كان جُلَّ تركيزه في ولايته الرئاسية الأولى على ما يُعرف بدول الساحل والصحراء.
يحاول ماكرون تدارك الهزائم التي مُنيَ بها في دول الساحل والصحراء وكانت رصاصة الرحمة فيها طرد القوات الفرنسية من مالي في شباط الماضي.. كما يحاول موازنة الوجود الروسي الذي حل محل الفرنسي في هذه الدول.. لكن مهمته ليست سهلة سيما أن الدول التي شملتها جولته (الكاميرون وبينين وغينيا بيساو) تشهد علاقاتها مع فرنسا الكثير من التوترات، بعكس العلاقات مع روسيا (والصين) التي تنمو بصورة متسارعة على المستويين الاقتصادي والتجاري.
في المؤشرات الأولية، لا يبدو ماكرون قد حقق شيئاً يذكر في جولته، بعكس لافروف الذي بدا مُحلقاً في فضاءات إيجابية وأجواء تفاؤلية تضع العلاقات الروسية- الإفريقية في مرحلة أكثر تقدماً وتطوراً وفي كل المجالات.. هذه ليست بأخبار جيدة للولايات المتحدة التي تنتظر- من دون كثير تفاؤل- عودة مبعوثها مايك هامر من زيارته لمصر وأثيوبيا، عله يعود ببعض ما يمكن أن يحتوي النتائج «الرائعة» التي عاد بها لافروف.