اعتقدت الكثير من الدول الأوروبية ومعها أمريكا لدى اندلاع الأزمة في أوكرانيا أنها قادرة من خلال سلاح العقوبات على محاصرة روسيا اقتصادياً والحد من صادراتها المتنوعة إلى العالم ، وعزلها سياسياً وتهميش دورها في الساحة الدولية .
الأحداث التي تلت ذلك أثبتت عدم صوابية رؤية الأوروبيين ومعهم الأمريكيون.
فمن الناحية الاقتصادية استمرت الصادرات الروسية من النفط والغاز من دون توقف حتى إلى الدول الأوروبية التي أعلنت بشكل صريح أنها غير قادرة على التخلي عن النفط والغاز الروسيين، كما استقرت بالمقابل العملة الروسية/الروبل/عند مستويات جيدة مقابل الدولار الأمريكي ولم تتعرض للانهيار كما كانوا يعتقدون .
الإعلام الغربي اعترف بالحقيقة وقال إن الاقتصاد الروسي يحقق نجاحات متتالية ويزدهر رغم العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة ضد موسكو، في الوقت الذي تزداد فيه معاناة أوروبا وصراعها من اجل تلبية حاجاتها من الطاقة والسلع الغذائية وغيرها، كما حسن في الوقت ذاته صندوق النقد الدولي في تقرير له توقعاته لأداء الاقتصاد الروسي للعام الجاري 2022.
السيناتور الأمريكي السابق ريتشارد بلاك أكد في تحليل له حول الأزمة بين الغرب وروسيا أن الولايات المتحدة تقود نفسها إلى طريق مسدود عبر سياسة العقوبات ضد روسيا، واصفاً سياسة أمريكا والغرب بغير العقلانية والمدمرة لأنها تؤدي إلى اضطرابات اقتصادية ضخمة في العالم.
ومن الناحية السياسية أكد المسؤولون الروس مراراً وتكراراً أنه لا يمكن عزل روسيا أو محاصرتها وأن محاولات الغرب في هذا الصدد هي إجراءات خاطئة وهي من الخيال المتقد، ذلك لأن موسكو تملك شبكة علاقات دوليةمتعددة وفضاء ًرحباً مع دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية والمنطقة العربية، وكانت جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مؤخرا في جنوب شرق آسيا وجولته في الدول الإفريقية دليلاً على قوة السياسة الخارجية الروسية، كما أن الكثير من دول العالم تفضل سياسة موسكو لأنها تقوم على مبدأ الاحترام المتبادل والعقلانية والتوازن والواقعية ورفض التدخل في شؤون الدول الأخرى وعدم التشجيع على الحروب وافتعال الأزمات كما هي الحال مع أمريكا وغيرها من الدول التي تدورفي فلكها .
لاشك بأن الحرب في أوكرانيا ستنتهي يوما ما ولكن كيف ستكون حال الأوروبيين في نهاية المطاف وهم بدؤوا يعانون بشدة من ارتفاع أسعار الغاز والمواد الغذائية وارتفاع التضخم بعد أن تورطوا في تلك الحرب التي افتعلتها أمريكا وهدفها الأساسي منها التأثير على روسيا داخلياً وإضعاف اقتصادها وتهميش دورها السياسي عالميا وذلك لكي تحافظ واشنطن على سياسة القطب الواحد في العالم وألا تسمح بتعدد الأقطاب وهو ما ترفضه روسيا والصين ومعهما الكثير من دول العالم، وتحاولان الوصول الى عالم متعدد السياسات والأقطاب وكذلك وقف سياسة الحمائية السياسية والتجارية والاقتصادية التي تنتهجها واشنطن منذ تفكك الاتحاد السوفييتي السابق أكثر من ثلاثين عاماً.