بِيئَةُ العَمَلِ النّاجِحَة
تختلف الآراء والفلسفات بين مجتمع وآخر، وبين دولة ومثيلتها، حول بيئات العمل والسلوكيات المتبعة، وانعكاس ذلك على أجواء الإنتاج وحسن الأداء..
ما بيئات العمل السائدة؟.. وهل يا ترى متناسقة ومتلائمة، وتحقق الرضا الكامل والأريحية ليكون العامل أينما كان محباً ومنتجاً بالطاقة الكاملة؟ أسئلة كثيرة ومتنوعة، إلا أن الإجابات تتباين من مجتمع لآخر، ومن إدارة لأخرى.. مابين الإيجابية البسيطة، والسلبية الطاغية على بيئات العمل.. وما تتركه تلك السلبية من آثار لا تحمد عقباها على الإنتاجية والالتزام والإخلاص الكلي!..
لا أعتقد أن هناك بيئات عمل ناجحة، الغالبية لديها من مشاكل وإشكالات تجعل من الوظيفة والأداء عبئاً ثقيلاً، لا يحقق المراد ولا الرضا، وهنا قد تلحظ المزاج لدى العامة هو الهروب أو اللجوء إلى الإجازات وسواها.. وهنا السؤال: هل لعدم تحقيق البيئة المناسبة.. أم لأسباب أخرى؟..
ربما السببان يكونان حاضرين، فلا البيئة قادرة على كسب الرضا المطلوب وما يتبعها من عوائد وحقوق مالية يبدو أنها لا تتناسب، ولا وجود لأرضية تفاهم وثقة مابين الإدارات ومرؤوسيها، فتجد هنا التسلط والانفرادية وتقريب فلان على حساب آخر.. وهنا الطامة الكبرى، وقتها يضيع الشغف نحو العمل، وتُفقد أي دوافع حرة ليكون العمل والإنجاز أولوية، فلا وجود لرغبات ممزوجة بالإخلاص والتفاني الشخصي نحو إنجاز المهام بكل رضا، وبعيداً عن الحوافز أيضاً المادية والحوافز التشجيعية المعنوية!..
لا نستغرب، عندما نسمع أن هناك شعوباً وجدوا أن حياتهم مرهونة بالعمل وحسن التدبير والريادة بما يعملون وينتجون، وكأنهم يعيشون ليعملوا، ولا تهمهم المردودية المالية، بقدر تعلقهم بالتنافسية الإيجابية في سعيهم نحو النجاح كنوع من الإخلاص في تأدية الأعمال الموكله لهم!..
أين نحن من هؤلاء وسعيهم إلى الريادة والإنجاز والرضا الذاتي بما يعملون ويحققون؟
ربما بيئة العمل مناسبة جداً لكي يبدعوا ويصلوا إلى مصاف متقدمة بالعلم والابتكار والتنافسية الحقة، بعيداً عن أي أجواء مسمومة من مرؤوسيهم تكون عامل إحباط وتراجع، وقد تتطور إلى كره للوظيفة أو مكان العمل!..
الإدارات الناجحة هي من يخلق بيئة عمل صحية وتسهم إلى حد كبير في هذه المنظومة، وتالياً تسهم في الوصول إلى مستويات من التنافسية والمشجعات على عمل متكامل لا يخلو من الابتكار والتجديد، جو تسوده الثقة والمسؤولية التي يجب أن تعطى للموظف من دون أي انتقاص لأي دور من الأدوار..!
بعض إداراتنا مع الأسف بعيدة كل البعد عن فن الإدارة، فالمسؤول أو المدير يجب أن يكون فناناً متمكناً بأدائه، متقناً لكل ما تتطلبه بيئات العمل من أجواء من الرضا والتحفيز ومتابعة الأعمال للارتقاء بالإنتاجية، فالأمر لا يحتاج لتعليم والخضوع لدورات بقدر ما يحتاج إلى ضوابط وأسس، يحتاج لمرونة وإعطاء مساحات واسعة للعمل بكل ثقة، آفاق للمبادرات وحالات الابتكار وتشجيعها، ويحتاج أخيراً لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب.. وإلا..!
نجد عند بعض الإدارات ما يتسلط على سلطاته بطرق ليست صحيحة وتسيء لبيئة العمل، ومثل تلك الإدارات تعيش ضمن أجواء التمكن «الناقص» بحيث تمارس سطواتها، وعدم اتخاذها لقرارات مناسبة، قد تحول نفسيات العاملين والمنتجين لدرجة بائسة غير مريحة، وعندها يؤدون مهامهم وأعمالهم إما لرهبة أو لرغبة!.. وهنا تتولد نوازع داخلية تعرقل وتسيء للعمل، من عدم الاستقرار إلى التراجع الوظيفي وإنتاجيته، ومن ثم فقدان الثقة وبدوره بإدارته أو شركته..
إعطاء كل دوره، ومرونة بالتعاطي والحرية ما يحفز على الإنجاز والإبداع، وتعزيز عوامل الثقة ليس في الموظف، بل ثقة في النفس من المسؤول أو المدير أو مسؤول العمل، من باب أنه كلما كان الشخص متمكناً من نفسه وعلى درجة من الثقة أتاح لمرؤوسيه مساحة من الرضا والتعامل بحالة من الإيجابية الصحيحة تساعدهم للعمل بكل صدق وتفان وتنجح بيئة العمل.