أدباء ونقّاد يقرؤون حنا عبود من خلال نتاجه الإبداعي

نضال بشارة

عقدت مؤخراً في قاعة سامي الدروبي بالمركز الثقافي بحمص ندوة تكريمية للناقد والمترجم حنا عبود، التي أقامها اتحاد الكتّاب العرب بالتعاون مع مديرية الثقافة، شارك فيها الأدباء: فرحان بلبل، د.غسان لافي طعمة، حسان الجودي، د. سعد الدين كليب، وأدار الندوة الناقد د.هايل الطالب الذي استهلها بالقول: إن الناقد حنا عبود علم من أعلام النقد العربي، وهو الاسم الكبير في ترجماته و ما أنجزه من نقد أدبي، والاسم الكبير في طروحاته، وله أربعة روائز تميز نتاج هذا الرجل بحق وليس بزيف أو بمجاملة؛ أولاً الطزاجة، وهو لمّاح يلتقط الزوايا المختلفة، الموسوعية تتجسد من خلال تعدد المجالات التي بحث فيها، ثم الإخلاص لإبداعه.

بعد ذلك قرأ المسرحي فرحان بلبل شهادة قال فيها: إنه من الصعوبة الفائقة أن تحوط بالدراسة والتقييم ما أنجزه عبود في حياته التي نرجو لها أن تطول، فقد خاض في ميادين متعددة كان في كل منها أصيلاً سابقاً، فله في النقد الأدبي ما له، وله في الفكر وشؤون الثقافة ما يدهشك، وله في الترجمة ما تشعر أمامه بالإعجاب.

ثم ذكر بعض الطرائف التي جرت بينه وبين الناقد عبود، منها كيف عرض عليه مخطوط كتاب “من حديث الفاجعة” فاستغرقه الكتاب بقراءته، فتساءل لماذا فتنني الكتاب بهذا الشكل؟ فوجد أن كاتبه ينتقي من شخصيات المسرح الأجنبي تلك التي نسميها “محدثي النعمة” وبهذا الانتقاء الابتكاري جعله يستعيد المسرحيات التي بدت كأنه لم يقرأها من قبل، فشهدت له أنه يستطيع أن يبيع الماء في حارة السقائين. وقال الكلام ذاته عن كتاب عبود “من تاريخ الرواية” وإذا به يقدّم للقارىء ملخصاً وافياً موثقاً دقيقاً عن هذا النوع الأدبي، وإلى اليوم ينصح بلبل بقراءة الكتابين.

ثم تحدث عن ترجمة حنا لملحمتي الإلياذة والأوديسة وحيلته فيهما، قدم لهما مقدمة إضافية وهي مهاد ضروري للدخول إليهما، وترجمته كانت رصينة وقورة تناسب جلال هاتين الملحمتين المؤثرتين في التراث البشري كله.

الدوائر المغلقة

قرأ الشاعر غسان لافي طعمة مداخلة بعنوان “حنا عبود ناقداً” أشار أولاً إلى أنه أديب موسوعي انشغل بالأدب والفكر والنقد والترجمة طوال ستة عقود، فكان نقده ثمرة ناضجة لهذه الموسوعية من مؤلفه الأول “مسرح الدوائر المغلقة” عام 1978 كما صدر له “المدرسة الواقعية في النقد العربي الحديث”، وتعاقبت مؤلفاته تؤكد هذه الثمرة الناضجة في “النزوحات الكبرى” و”واقعية ما بعد الحرب” و”تفاحة آدم”، وكان كتابه “النحل البري والعسل المر” الدراسة الميزة للشعر السوري المعاصر، وهكذا كانت دراسته “الظاهرة الجبرانية النول والمخمل”، وأشار إلى كتاب “القصيدة والجسد”، ورأى د.غسان أن نقد عبود لا يهتم بما هو آني وطارىء، وإنما يؤسس لحالات ثقافية معنية بما هو عميق وجوهري بل يؤسس لنظريات في النقد وهذا ما ظهر في كتبه ” الحداثة عبر التاريخ” وكتابه ” فصول في علم الاقتصاد الأدبي” وتابع في كتابه “من حديث الفاجعة” وبيّن فيه دور محدثي النعمة في تخريب الحضارة منذ عهد الإغريق حتى يومنا هذا.

وأشار إلى أن عبود يترجم حتى يتعمق في فهم الكتاب وفق تصريح له، وهو هضم الثقافتين العربية والغربية وتمثلهما.

ومضى د. غسان يتحدث عن بقية كتبه مقيّماً لها.. وهو في رأيه نقد بكر انطلق من الإيديولوجيات السائدة في خمسينيات القرن الماضي وجعلها أساساً فكرياً لنقده لكنه ابتعد عنها سريعاً مقدماً لنا نقداً متميزاً مختتماً بالقول: حنا عبود كان الناقد الأكثر تأثيراً في المشهد الأدبي في سورية إثراءً وغنىً بشكل مباشر وغير مباشر.

احتفالية شعرية

وكان للشاعر المغترب حسان الجودي مساهمة من ثلاثة مقاطع عنونها بـ (احتفالية شعرية بالمعلّم حنا عبود) عرضت بتقنية (باور بوينت) على الشاشة وقرأتها بالنيابة عن الجودي الشاعرة أميمة إبراهيم رئيس المكتب الفرعي لاتحاد الكتّاب العرب بحمص، نقتطف منها ما يلي: “وقد سكنتْ نجومٌ فوق رأسي / فسالَ الضوءُ من مِشْكاةِ نفسي / وقد عبرتْ جبالٌ تحت إبطي/ ووسَّعتِ الثقافةُ حدَّ شمسي /أنا (حنّا ) ولي (جِينٌ) خيالٌ/ وكلُّ حقيقةٍ بدأتْ بحَدْسِ/ ولكنّي اكتملتُ كحقلِ قمحٍ/ ولكنّي نقصتُ بقدْرِ كأسِ !/ وفي حبري: التراجمُ ألفُ نهرٍ/ وفي شغفي المعابرُ نحو أمسِ/أفتّشُ عن كنوزٍ مُهملاتٍ/ وأُلْبسها الحداثةَ ثوبَ عُرس”..

الدرس المنهجي

أما الشاعر والناقد سعد الدين كليب فتحدث عن ملامح الاشتغال النقدي عند عبود التي حددها بالسمات الأربع الآتية: (الموسوعية) ويقصد بها الاستعانة بمختلف المعارف، من أجل وعي الظاهرة المدروسة، وعدم الاكتفاء بحقل معرفي واحد أو حقول معرفية متقاربة، فتغدو الموسوعية إحدى سمات الوعي النقدي لحنا عبود.

(الكلية) ويقصد بها تناول الظاهرة في خصائصها الكلية الكبرى، من دون الوقوف عند ما هو جزئي أو عرضي فيها.

وذلك في سعي من الناقد إلى الإمساك بما هو جوهري، في الظاهرة، فهو يعنى بالشعر لا بالقصيدة، وبالحداثة لا بالتجديد، وبالأشكال الكبرى لا بالأساليب، وبالأسس الناظمة لا بالتفريعات الشكلية. (المنهجية النقدية).. إن المؤكد عند عبود هو الدرس المنهجي، ولذلك نجده يميل إلى الإفادة من الآليات الإجرائية للمنهج، من دون أن يتبنى جميع الأطروحات النظرية التي تتأسس عليها تلك الآليات.

(النظرة الجمالية) أي إن عبود قد توسل بعلم الجمال، من أجل إنتاج معرفة بالنص والظاهرة الأدبية عموماً، بحيث يتمّ الربط بين كل من النص والموقف الجمالي والواقع والتقاليد أو الأنظمة الفنية المرعية والظاهرة الأدبية، وهذا ما نلحظه بدرجات متفاوتة في كتبه.

وألقى المُكرّم كلمة شكر فيها اتحاد الكتّاب والمشاركين في هذه الندوة، متوقفاً عند علاقته مع صديقه المسرحي فرحان بلبل الذي سبق أن طالب بهذه الندوة، متحدثاً بإشارات سريعة حول مسرحه والبريختية.

واختتم د. فاروق اسليم عضو المكتب التنفيذي في دمشق لاتحاد الكتّاب بكلمة أشاد فيها بمنجز عبود النقدي مطالباً كليات الآداب الاهتمام بهذا المنجز ومنجزات بقية النقاد السوريين لإنصافهم وتوسيع دائرة تأثيرهم في الأجيال القادمة، ثم قدّم له درع تكريم باسم اتحاد الكتّاب العرب.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار