واقع الكتاب السوري ما له وما عليه 

بارعة جمعة

يتحدُّون المصاعب الحياتيَّة ويبدعون ما نحن بأمسِّ الحاجة إليه، بما يحقِّق إنسانيَّتنا وانتماءاتنا، ويضمن للكتاب حضوره القوي ضمن ميادين المعرفة القائمة على القراءة بصورة خاصة، وأمام ما يعيشه الكتاب السوري من واقع مرير يعني القرَّاء بالدرجة الأولى، ورغبة من الجميع في تحسين واقعه وجودته، أقيمت ندوة حواريَّة بإشراف الإعلامي ملهم الصَّالح في فرع دمشق لاتحاد الكتَّاب العرب، وبحضور رئيس فرع الاتحاد الدكتور إبراهيم زعرور، ومشاركات من اتحاد الكتاب العرب واتحاد الناشرين السوريين والهيئة العامة السورية للكتاب.

تحدِّيات وتطلُّعات

صناعة الكتاب مشروع متكامل، وركود السوق ونكبة قطاع الكتب عدا عن تحول الكتاب لعبء كبير في ظل انصراف دور النشر لإدارة شؤونها بشكل شخصي وبعدها عن العمل بصفة “مؤسسة”، كانت أبرز الصعوبات التي تواجه الكتاب السوري استعرضها مدير الندوة، متوجهاً من خلالها للمشاركين بتساؤلات حول ماهية العمل لحفظ حقوق المؤلف والناشر لجهة زيادة المبيعات التي تشهد تراجعاً حادَّاً في الوقت الراهن، التي أفرزت ظاهرة الاعتماد على ثقافة العناوين وغياب الدراسات والتقييم للواقع، والتي أدت بدورها لغياب ثقافة القراءة عند الفرد العربي بالتزامن مع تلاشي الإجراءات الأسرية والتربوية أيضاً.

إلّا أنه وبالنظر للظروف الموضوعية المحيطة، تعمل الهيئة العامة السورية للكتاب على إنتاج كتاب بجودة عالية ومتاح لأكبر شريحة من السوريين، حسب تأكيدات مدير عام الهيئة الدكتور نايف الياسين، إيماناً من الهيئة بأهمية القراءة التي تقود للمعرفة، وتعدّ الهيئة الرائدة في مجال إطلاق الكتاب الإلكتروني، لتحميله وجعله متاحاً للجميع، من مبدأ “كتاب باليد أفضل من عشرة على الرف” على حدّ تعبيره.

ولأن مسؤولية الحفاظ على الكتاب ليست فردية إنما جماعية ومجتمعية، تقع على عاتق كافة الجهات بما فيها الحكومية، تقوم الهيئة بالتعاون مع اتحاد الكتَّاب العرب بعقد ندوات وورشات عمل لدراسة كيفيَّة تحسين جودة الكتاب، وتقديم تسهيلات ماديَّة وتعويضات للمؤلفين والمترجمين وغيرهم، والتي تعد مناسبة مقارنةً مع أي دار نشر أخرى، إلّا أن الطموح أكبر بكثير، كما أن الأمر يعود لرغبة القارئ نفسه بالقراءة برأي مدير عام الهيئة السورية للكتاب، لذا قامت الهيئة بتشجيع المبدعين عن طريق جوائز معنوية ومادية.

صناعة الكتاب

إلّا أن الحديث عن الكتاب وكيفية صناعته تستوجب النظر إلى دور المؤسسات، لا الذهاب للمؤلف ودور النشر برأي رئيس اتحاد الكتَّاب العرب الدكتور محمد الحوراني، فأحياناً لا نجد علاقة للمؤلف بالكتاب لكونه مرتزقاً منه فقط، كما أن الحديث عن مشكلة الكتاب لا تنفي دورنا أو كوننا طرفاً فيها، و هناك قراء يمتازون بذائقتهم الخاصَّة، كما نجد أيضاً كتباً تتم طباعتها من مؤسسات ثقافية ولا علاقة لها بأخلاقيات المهنة، كذلك تشكل ميول الناشر وغايته الماديَّة عثرة حقيقية أمام الكتاب، تجعله بلا فائدة في كثير من الأحيان.

وما ذكر سابقاً يؤكد بأننا أمام مشكلة حقيقية برأي الدكتور “الحوراني”، تستوجب علاجها بجرأة من خلال منع أي مؤلف لا يملك قيمة فكرية جديدة من نشر كتابه، بالإضافة للعمل ضمن إستراتيجية ثقافية حقيقية، لن يتم بناؤها إلّا بتكاتف جهود المؤسسات الإعلامية والثقافية والتربوية.. والمؤسف اليوم وجود قارئ، لكنه بنفس الوقت لا يملك ثمن شراء كتاب، وتقديم محتوى لا يشد انتباه القارئ لامتلاكه، عدا عن إغفال أهمية اللغة بوصفها مقدسة في المنتج الأدبي، ما يدعو الجميع للعمل على تأمين الكتاب للمتلقي بسعر مناسب، ومن ثم الحديث عن قرَّاء حقيقيين.

فالكتاب بمثابة سفير ليس للناشر والأديب فحسب، إنما واجهة ثقافية لنا في الوطن العربي برأي رئيس اتحاد الناشرين السوريين هيثم حافظ، كما أن توصيف الواقع غير كافٍ، ويحتاج طرح حلول ومخرجات بالتعاون مع الاتحاد والهيئة حسب توصيف حافظ.

والمشكلة الحقيقية اليوم خسارة الكثير من دور النشر التي تفرض تأمين حاضنة اقتصادية للنشر بصفتها صناعة متكاملة تحتاج أطرافاً عدَّة أهمها الكاتب، الذي لا يزال يحتاج أسساً صحيحة لصناعته أيضاً.

كما تختلف صيغة العمل وأسلوب تداول الكتاب بين كل طرف، لتبقى سمة الكتاب لدى الناشر هي الأنجح تجارياً، مع الحفاظ على حقوق الكاتب كاملةً، والذي تبرره المطالبات لدور النشر بالحصول على سجلات تجاريَّة استوجبت التفكير من زاوية الربح وإعطائهم صفة تجارية أيضاً.. ليبقى السؤال اليوم لدى دور النشر: لماذا يتم التعامل مع الكتاب كحالة ثقافية، وعدم النظر له كحاجة قياساً بالدواء والغذاء!

فالناشر هو الحامل الثقافي في البلاد، كما أن الكتاب هو الحامل الاقتصادي والتربوي لأجيال تتنافس في تحصيل الدرجات العالية منبعها القراءة والعلم والمعرفة، ويلزم الجميع بدعم الكتاب بتكوين جمهور له ضمن المعارض.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار