يدٌ تُغري بالمصافحة
ثلاث دقائق أو ربما أقل، أصبحت زمناً كافياً للحُكم على عملٍ فنيٍّ أو أدبيٍّ اليوم، تماماً كما في حالة رسائل الموبايل، تقرؤها العين سريعاً ثم يأتي القرار مُباشرةً في تجاهلها أو التعاطي معها بجدية، عملاً بمقولاتٍ قديمة، تُعلي من شأن الانطباعات الأولى تجاه الآخرين، مفترضةً صحتها وديمومتها، لكونها تأتي بلا خلفياتٍ سابقة، وإن كان حجم الخطأ فيها كبيراً جداً، لكنه لا ينفي إمكانية صحتها، ربما يكون السبب مرتبطاً بما قاله علماء عن أدمغتنا الكسولة التي تطورت لإصدار أحكامٍ سريعة حول الأشخاص الذين نلتقيهم لأول مرة، في محاولةٍ لتصنيفهم أو وضعهم ضمن فئاتٍ يستطيع العقل فهمها والتعامل معها بسهولة.
ينصح مَن كوّنوا انطباعاتٍ اكتشفوا خطأها لاحقاً، بالتأني قبل أن نربط بين الصورة التي رسمناها خلال زمنٍ قصيرٍ جداً، وحقيقة الشخص الموجود حولنا، لكن هذه النصيحة صعبة التطبيق في حالة القراءة والمُشاهدة، لأن الرغبة في المُتابعة أو التوقف ستنشأ مع البداية بوصفها مقدمةً لرواية أو حوار في مسلسل أو مشهد في فيلم، من دون المراهنة على فرصةٍ ثانية، بمعنى؛ إن مَن يُجبر نفسه على قراءة عدة صفحاتٍ من كتابٍ ما، غالباً ما يتوقف حتى لو وصل إلى منتصفه، ولو أكمله لن يكون رأيه إيجابياً لصالح الكاتب أو مُشجعاً لمن حوله ليقرؤوه، ومَن صدمه حوارٌ مُمل سيفقد اهتمامه في معرفة ما بعده، وأغلب الظن أن لا محاولة ثانية في حالتيهما.
بالطبع، الانطباعات الأولى ربما تكون خاطئة كما قلنا، وهو ما ينسحب إلى حدٍّ ما على ما نفترضه أيضاً، لكن ما يجب أخذه بالحسبان عند إطلاق الحكم على قصيدة أو قصة أو أغنية، هي الوسيلة التي تأتي عبرها، فما يُمكن مشاهدته مثلاً عبر شاشة موبايل وتكوين انطباعٍ حوله، سيبدو مختلفاً فيما لو شاهدناه في صالة سينما، لذلك ذهب البعض إلى أن كثرة الشعراء وانتشار أنواع أدبية مُوجزة كالقصة القصيرة جداً وشعر الومضة، نتيجة طبيعية لنمط الحياة السريع والاستهلاكي، وحاجة الفنان والأديب إلى التقنيات المُتاحة لإيصال مُنتجهم إلى المُتلقين، والتي تقوم أصلاً على السرعة وتتطلّب التكثيف والإيجاز، وفي كل الأحوال، العناية بالمُقدِمات يجب أن تكون مُضاعفة، فلا يصح أن نمدَّ لِمن نلتقيه يداً لا تُغري بالمصافحة.